لماذا سميت سورة البروج بهذا الاسم
لماذا سميت سورة البروج بهذا الاسم؟ وما سبب نزولها؟ نزلت سورة البروج لعدة أسباب وأغراض وممن تلك الأغراض هي مواساة الله لرسول الله وأصحابه لما نالوه من أذى الكافرين، وفيما يلي ومن خلال موقع البلد سنقوم بالإجابة على سؤال لماذا سميت سورة البروج بهذا الاسم؟ وأمور متعددة تخص هذه السورة الكريمة.
لماذا سميت سورة البروج بهذا الاسم؟
يرجع سبب التسمية إلى الآية الأولى من السورة حيث تبدأ بقول الله تعالى: (وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلۡبُرُوجِ) [البروج:1]، وكلمة البروج تعنى المنازل العالية المعروفة في السماء، حيث أقسم الله بالسماء ذات البروج وفي ذكر ذلك دلالة على قدرة الله وحسن صنعه وعظيم خلقه.
فالله صنع وأحسن صنعه، خلق الله السماء فأحسن خلقها ففيها الكواكب والنجوم والمجرات وما لا نعرفه من صنع الله وجميعها تمشي في فلك موزون بنظام ثابت ومحدد فقد أحكم الله تعالى كل شيء خلقه، وفي ذلك إشارة لقدرة الله على خلق المعجزات.
ذكر الله للكواكب المعروفة في السماء والمنازل العالية ورفعها بغير عمد يعد من الأمور المتكررة في السور المكية، تتميز السور المكية باحتوائها على آيات لقدرة الله على الخلق والصنع، وقد سميت تلك المنازل بروجًا لأن مظهرها يشبه القصور في طول البنيان.
أغراض سورة البروج
في إطار حديثنا عن لماذا سميت سورة البروج بهذا الاسم؟ هناك عدة أغراض تهدف إليها سورة البروج وهي من أسباب نزولها، سنعرضها لكم من خلال النقاط التالية:
1- للتخفيف والمواساة
نزلت سورة البروج بغرض التخفيف عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وما يتقونه من أذى الكفار والمشركين في مكة المكرمة، وظهر ذلك من خلال توضيح ما قامت به قريش من أذى وضرر وسوء للمؤمنين.
كما أوضحت كيف أنهم حاربوا الله ورسوله، محاولين منع انتشار الدين الإسلامي في مكة، والتمسك بعقيدتهم عقيدة الكفر والإشراك بالله فمنهم الكافرين ومنهم المشركين، وكلاهما كان يحارب الرسول وأصحابه ويحاول منع انتشار الرسالة.
2- تذكير المشركين بقدرة الله
نزلت سورة البروج أيضًا لتذكرة للمشركين بقدرة الله وأن الله قادر على كل شيء، ووحده سبحانه وتعالى المستحق للعبادة دون غيره ودون إشراك أحد معه، وليوضح ويبين لهم أن تلك الأصنام التي يعبدونها أي أهل مكة لا تضرهم ولا تنفعهم بشيء.
فالنفع كله بيد الله إذا أراد الله أن ينفع عبد نفعه ولو اجتمع الخلق كلهم على أن يضروه لا يضروه بشيء لم يكتبه الله له وفي ذلك حديث عن الرسول صل الله عليه وسلم؛ يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنه:
“كنتُ خلفَ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومًا، فقال: يا غلامُ، احفَظِ اللهَ يحفَظْك، احفَظِ اللهَ تجِدْه تجاهَك، إذا سألتَ فاسألِ الله، وإذا استعنتَ فاستعنْ باللهِ، واعلمْ أنَّ الأمَّةَ لو اجتمَعَت على أن ينفَعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلَّا بشيءٍ قد كتَبَه الله عليك، ولو اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشَيءٍ لم يضرُّوك إلَّا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رُفِعَت الأقلامُ وجَفَّت الصُّحُف” (صحيح).
3- ذكر أصحاب الأخدود
نزلت السورة لذكر قصة أصحاب الأخدود، حيث كان أصحاب الأخدود في بلاد اليمن، وهم من الأمم السابقة الذين تعرضوا لفتنة وإيذاء من المشركين والكفار في دينهم وعقيدتهم وقد كان يدينون بدين النصرانية، وإليكم القصة بالتفصيل:
كان هناك بلد تدعى حمير وكان ملكها يلقب ذي نواس اليهودي وكان اسمه بن تبان أسعد الحميري، وفي يوم من الأيام كان يسير برفقة جنوده لتفقد أحوال رعيته، وكان هؤلاء الجنود مؤمنين بالنصرانية، وكان عددهم حوالي عشرين ألفًا.
فخيرهم بين أن يهجروا دينهم وعقيدتهم أو أن يقوم بحرقهم وقتلهم بالنار، فكان ردهم عليه أن رفضوا ذلك وصبروا واختاروا الثبات على عقيدتهم ودينهم، فكان مصيرهم أن حفر لهم الجنود الأخرين أخدودًا وقاموا بإلقائهم فيه ثم أشعلوا النيران حتى تم إحراقهم جميعًا.
لكن ذلك كان مصيرهم في الدنيا، أما جزاء الآخرة فالفوز العظيم بلقاء الله ودخول جنته، فما كان من الله إلا أن ثبتهم على عقيدتهم حينما رأى الصدق في قلوبهم.
ترتيب سورة البروج
استكمالًا لإجابة لماذا سميت سورة البروج بهذا الاسم؟ جاءت سورة البروج بعد سورة الشمس والتي عرضت من خلالها عدة أمور، وهي: أثر الظلم والطغيان وما ينتج عنه من هلاك، وموقف الناس من الدعوة والرسالة التي أنزلها الله على نبيه لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
فمنهم من استجاب لدعوة الرسول وآمن بالله ورسوله وذلك من ذكي نفسه، وهناك من ظلم نفسه وكفر بالله ورسوله وأعرض عن دعوته، ومن يفعل ذلك يكن بسبب جهله وعدم قدرته على التفريق بين الحق والباطل.
من الناس من لا يكتفى بالإعراض عن دين الله ودعوة نبيه بل يقوم بالإساءة إلى الرسول وأصحابه وإلحاق الأذى بهم متعمدًا، ويكون ذلك بسبب حقده وخبث نفسه.
ثم جاءت سورة البروج لتذكر جزاء الآثمين والطغاة الذين يقومون بإيذاء الرسول وأصحابه والمؤمنين، وذكر فتنة أصحاب الأخدود وذكر فرعون وثمود.
ثم جاءت سورة التين التي تتحدث عن عدل الله في أن جعل يوم القيامة لمحاسبة ومعاقبة الطغاة والظالمين على أفعالهم وجرائمهم، وبيان نصرة المظلوم وإنصاف الله له وجزاؤه له بأن له الجنة.
أين نزلت سورة البروج؟
استمرارًا في حديثنا عن لماذا سميت سورة البروج بهذا الاسم؟ نزلت سورة البروج في مكة، وعدد آياتها اثنين وعشرون آية، وعدد كلماتها مائة وتسع كلمة، وعدد حروفها أربع مائة وخمس وستون حرفًا، مع اختلاف الأقوال في عدد الحروف، ورقمها في المصحف بين سور القرآن الكريم السابع والعشرون.
سميت بذلك الاسم لأن الله افتتح أول آياتها بالقسم بالسماء ذات البروج العالية وهي المواقع والمنازل العالية والكواكب السيارة.
تفسير سورة البروج الآيات من 1 إلى 9
قال تعالى: “وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلۡبُرُوجِ (1) وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡمَوۡعُودِ (2) وَشَاهِدٖ وَمَشۡهُودٖ (3) قُتِلَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡأُخۡدُودِ (4) ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلۡوَقُودِ (5) إِذۡ هُمۡ عَلَيۡهَا قُعُودٞ (6) وَهُمۡ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ شُهُودٞ (7) وَمَا نَقَمُواْ مِنۡهُمۡ إِلَّآ أَن يُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ (8) ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ (9)”.
أقسم الله عز وجل بالسماء ذات البروج أي المنازل العالية التي يوجد بها كلًا من الشمس والقمر يجريان في فلك الله بنظام ثابت ومحدد وفي ذلك دلالة على قدرة الله وكمال خلقه، وهو مما تضمنته إجابة لماذا سميت سورة البروج بهذا الاسم؟
أقسم بيوم القيامة وهو اليوم الذين يجمع الله فيه جميع خلقه وعباده، القاصي والداني ولا يمكن لأحد أن يتخلف عن ذلك اليوم، وسيجمع الله الشاهد والمشهود، ولله الحق في أن يقسم بما شاء من عباده، لكن لا يجوز لمخلوق أن يقسم بغير الله، فإن القسم بغير الله يعد شركًا به سبحانه وتعالى.
لعن الله الجنود وكل من أمر أن يشق الشق الكبير حتى يعذب فيه المؤمنين بالله، ولعن الله من أشعلوا النار الشديدة في ذلك الأخدود بغرض إحراق المؤمنين ليكون عبرة لمن لا يؤمن بعقيدتهم الباطلة.
حيث يقيم هؤلاء عند ذلك الأخدود بغرض التنكيل والتعذيب للمؤمنين وتأكدهم أنهم يعذبون أشد العذاب فهم لذلك الأخدود ملازمون.
حيث قام هؤلاء الظالمين والطغاة بتعذيبهم لأنهم كانوا مؤمنين موحدين بالله العزيز الحكيم الذي لا غالب له. والله هو الحميد في جميع أقواله وأفعاله وصفاته، والله سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وهو على كل شيء شهيد.
تفسير آيات سورة البروج من 10 إلى 16
قال تعالى: “إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَتُوبُواْ فَلَهُمۡ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمۡ عَذَابُ ٱلۡحَرِيقِ (10) إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمۡ جَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡكَبِيرُ (11) إِنَّ بَطۡشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُۥ هُوَ يُبۡدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلۡوَدُودُ (14) ذُو ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡمَجِيدُ (15) فَعَّالٞ لِّمَا يُرِيدُ (16)”.
فإن الطغاة الذين قاموا بحرق المؤمنين والمؤمنات بالنار، حتى يصرفوهم عن دينهم ويفتنوهم فيه، ويتمادون في ذلك ولا يتوبون إلى الله فلهم من الله عذاب شديد وهو جنهم وبئس المصير.
أما الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا الصالحات ابتغاء وجه الله لهم من الله فوز عظيم وأجر كبير هو جنات تجري من تحتها الأنهار.
إن انتقام الله من أعدائه أعداء الدين وعذابه لهم لهو العذاب العظيم، فهو القادر على أن يبدئ الخلق ثم يعيده، والله غفار لمن تاب وكثير الود والمحبة لأوليائه، صاحب العرش المجيد، صاحب الفضل والكرم يفعل ما يريد ولا يمتنع عليه شيء فإذا أراد شيئًا إنما يقول له كن فيكون.
تفسير آيات سورة البروج من 17 إلى 22
قال تعالى: “هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)”.
هل وصلك أيها الرسول خبر الجموع المكذبة والكافرة لأنبيائها، تلك الجموع هي: فرعون وثمود، هل تم إخبارك بما حل بهم من النكال والتعذيب؟ فهؤلاء القوم لم يعيروا ذلك اهتمامًا بل كذبوا وكفروا واستمروا في تكذيبهم وإيذاء المؤمنين، والله محيط بهم عالم بما يفعلون لا يخفى عليه شيء من أمرهم.
ليس هذا القرآن بسحر أو شعر كما زعم المشركون المكذبون، بل هو كتاب كريم عظيم حفظه الله في اللوح المحفوظ لا ينال أحد منه، ولا يستطيع أحد التحريف فيه.
الدروس المستفادة من سورة البروج
في سياق الإجابة عن لماذا سميت سورة البروج بهذا الاسم؟ فينبغي العلم أن لكل سورة من سور القرآن الكريم الكثير من الفوائد المكتسبة والعبر والمواعظ، ومن الدروس المستفادة من سورة البروج ما يلي:
- بيان وتوضيح عظمة الله وقدرته وكمال صفاته عز وجل.
- بيان جزاء كلا من المؤمنين والكافرين في الآخرة، يفوز المؤمنين بجنة الله ولقاءه، بينما يعاقب الكافرين والمشركين بأشد العذاب ويكون مصيرهم النار.
- الهلاك هو مصير الأمم الظالمة الطاغية لما فعلوه من أذى وفتنة للمؤمنين في دينهم.
- عظمة القرآن ورفعته؛ لأنه كلام منزل من عند الله.
فمن رحمة الله الواسعة بعباده أن أرسل إليهم الأنبياء والرسل ليبنوا لهم الحق والباطل ويخرجوهم من الظلمات إلى النور.