ما هي المعوذات الثلاثة وفوائدها؟ وما الدليل على فضلها؟ نوضحهما من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم في كُتب السنة الصحيحة، فهما من المواضيع الهامة التي تناولها الفقهاء بالشرح والتأصيل لما لتلك السور من عظيم الفضل على المسلمين جميعًا ومكانتهم الكبرى في ذاتهم.
لذلك في هذا الموضوع المتواضع على موقع البلد سنحاول جمع أقوال الفقهاء في إجابة سؤال ما هي المعوذات الثلاثة وفوائدها بالأدلة الصحية على أقوالهم.
ما هي المعوذات الثلاثة وفوائدها
تناول الفقهاء إجابة سؤال ما هي المعوذات الثلاثة وفوائدها بالتفصيل فذكروا أن المعوذات الثلاثة هي (قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس) أي سور “الإخلاص” و”الفلق” و”الناس” وفي الأصل اللغوي إن المعوذات هي سورتي “الفلق” و”الناس” وسميتا بذلك لأنهما يبدآن بقوله تعالى: “قُلْ أَعُوذُ” وأنهما يستعذان بهما.
كما قد ورد هذا الاسم عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عقبة بن عامر وقال: “أمرَني رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ أن أقرأَ بالمعوِّذاتِ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ” (صحيح أبي داود 1523)
إنما أضيفت سورة الإخلاص إليهما وأصبحت الثلاثة في التسمية من باب التغليب كمثل قولنا الأسودان على التمر والماء، كما أن الثلاث سور ترد في الأذكار والأحاديث النبوية متلازمة، وترد متتالية في المصحف الشريف.
على هذا فإن المعوذات هي:
سورة الإخلاص
“قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)”
سورة الفلق
“قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِن شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)”
سورة الناس
“قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَٰهِ النَّاسِ (3) مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)”
فضل المعوذات الثلاثة
ورد في فضل المعوذات عدد كبير جدًا من الأحاديث مثل حديث عقبة بن عامر السابق ذكره بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمره أن يقرأ سور المعوذات الثلاث بعد كل صلاة.
فعنه أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ، {قُلْ أَعُوذُ برَبِّ الفَلَقِ}، {وَقُلْ أَعُوذُ برَبِّ النَّاسِ}” (صحيح مسلم 814)
جعل الله تعالى القرآن الكريم له ثواب عظيم وقال النبي أن بكل حرف يقرأ المسلم حسنة وأن الحسنة بعشرة أمثالها ويضاعف الله لمن يشاء، كما خص الله تعالى بفضله بعض السور من القرآن بفضل آخر زيادة في الترغيب لقرآتها، ومن تلك الآيات والسور هي المعوذات، ففي الحديث السابق يقول النبي:
“أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ …” وهذا استفهام تعجبي، للدلالة على عظمة تلك الآيات وأنه لم ينزل عليه قبلًا سورة من القرآن بها مثل ما في تلك الآيات من معاني، بعد ذلك يوضح النبي أن تلك السور هي المعوذتان “سورة الفلق” “سورة الناس”ذلك لما بهما من معان الالتجاء لله تعالى وطلب الحماية منه والتعوذ به.
كما في حديث طويل عن عقبة بن عامر ورد في صحيح الإمام أحمد برقم 17334 نقتطف منه قول النبي صلى الله عليه وسلم:
“… يا عُقْبةُ بنَ عامِرٍ، ألَا أُعَلِّمُك خَيرَ ثلاثِ سوَرٍ أُنزِلَتْ في التَّوراةِ والإنجيلِ والزَّبورِ والفُرقانِ العظيمِ؟ قال: قلْتُ: بلى،… فأَقرأَني: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، و: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}. ثمَّ قال: يا عُقْبةُ، لا تَنْساهُنَّ، ولا تَبِتْ لَيلةً حتى تَقرأَهُنَّ…”
فالتوراة هو كتاب سيدنا موسى عليه السلام والإنجيل هو كتاب سيدنا عيسى عليه السلام والزبور هو كتاب سيدنا داود، والفرقان هو القرآن الكريم، والمقصود من هذا أن تلك السور هي الأفضل في التوحيد، بعد ذلك يوضح النبي أن تلك السور هي (سورة الإخلاص، سورة الفلق، سورة الناس)
المعوذات تكفي المسلم
كذلك في حديث آخر عن عبد الله بن خبيب أنه قال:
“خرجنا في ليلةِ مَطَرٍ وظُلْمَةٍ شديدةٍ نطلبُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصليَ لنا، فأدركناه، فقال: أصليتم؟ فلم أقلْ شيئًا، فقال: قلْ. فلم أقلْ شيئًا، ثم قال: قلْ. فلم أقلْ شيئًا، ثم قال: قلْ: فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما أقولُ؟ قال: قل هو الله أحد والمُعَوِّذَتين حينَ تُمسي وحينَ تُصبحُ ثلاثَ مراتٍ تُكفيك مِن كلِّ شيءٍ” (صحيح أبي داود 5085)
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه بما ينفعهم في الدنيا والآخرة وحريصًا على ذلك وبالطبع من وراء أصحابه أمته أجمعين إلى يوم الدين؛ ففي هذا الحديث يقول الصحابي عبد الله بن خبيب أنه خرج مع أصحابه في ليلة ممطرة وكان الظلام شديد في تلك الليلة للقاء النبي صلى الله عليه وسلم ويبحثون عنه ليصلي بهم إمامًا.
فلما وصلوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وسألهم هل أديتم الصلاة فيم يجيبه عبد الله لأنه لم يرى ماذا يقول وسكت؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قل (أي اقرأ)،فرد عليه عبد الله ماذا أقرأ، فأعاد الرسول صلى الله عليه الأمر وقال له أن يقرأ، فرد عليه عبد الله بماذا يقرأ.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم له أن يقرأ “قل هو الله أحد والمُعَوِّذَتين” أي سورة الإخلاص وسورة الفلق وسورة الناس، في وقت إذا دخل الصباح ثلاث مرات، وفي وقت إذا دخل المساء ثلاث مرات، وقال له أنها تكفي المسلم من كل شيء، أي تحفظه من الشرور ومن كل سوء في دينه ودنياه.
المعوذات قبل النوم
عن السيدة عائشة رضي الله عنها إنها قالت:
“أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذا أوَى إلى فِراشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمع كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِما فَقَرَأَ فِيهِما: قُلْ هو اللَّهُ أحَدٌ وقُلْ أعُوذُ برَبِّ الفَلَقِ وقُلْ أعُوذُ برَبِّ النَّاسِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بهِما ما اسْتَطاعَ مِن جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بهِما علَى رَأْسِهِ ووَجْهِهِ وما أقْبَلَ مِن جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذلكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ” (صحيح البخاري 5017)
في هذا الحديث تروي لنا السيدة عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندما يذهب للفراش لينام فكان يجمع كفيه إلى فمه (كمن يدعو الله) وينفث فيهما (والنفث هو الريح الخفيف دون ريق) وتقرأ فيهم المعوذات الثلاث (سورة الإخلاص وسورة الفلق وسورة الناس).
بعد ذلك يمسح النبي صلى الله عليه وسلم بيده ما استطاع من جسده بادئًا من رأسه والجزء الأمامي من الجسد وما تصل إليه يداه، ويكرر ذلك الفعل مرتين وبذلك يكون قد قرأها ثلاث مرات؛ ويقول الفقهاء أن اتباع هذه السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه صيانة للمسلم وحفظ الله له من الشرور.
المعوذات للرقية
كذلك من فضل المعوذات أنه ورد أكثر من حديث أنهما كان النبي صلى الله عليه يتعوذ بهم من الشيطان وكان يرقي بهما نحو قول السيدة عائشة رضي الله عنها:
“أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَنْفِثُ علَى نَفْسِهِ في مَرَضِهِ الذي قُبِضَ فيه بالمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا ثَقُلَ كُنْتُ أنَا أنْفِثُ عليه بهِنَّ، فأمْسَحُ بيَدِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا فَسَأَلْتُ ابْنَ شِهَابٍ: كيفَ كانَ يَنْفِثُ؟ قَالَ: يَنْفِثُ علَى يَدَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحُ بهِما وجْهَهُ” (صحيح البخاري 5751)
ففي هذا الحديث تروي السيدة عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اشتد عليه المرض في أيامه قبل وفاته كان يرقي نفسه بالمعوذات بأن يقرأهم وينفث في يده ويمسح على جسده؛ فلما اشتد عليه المرض أكثر أصبحت هي تقرأ عليه وتنفس في يده وتمسح بها عليه.
كما وري عن أبي سعيد الخضري أنه قال: “كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يتعوَّذُ منَ الجانِّ وعينِ الإنسانِ حتَّى نزَلتِ المعوِّذتانِ فلمَّا نزلَتا أخذَ بِهِما وترَكَ ما سواهما” (صحيح الترمذي 2058)
فهذا الحديث يدل على الفضل العظيم لمعوذتان في الاستعاذة من الشيطان، فكان النبي صلى اللهعليه وسلم قبلهم يتعوذ من الجان بصيغ كثيرة لكن لما نزلتا ظل يتعوذ بهما وترك غيرهم من الأذكار والأدعية.
معاني ألفاظ المعوذات
بعد أن تناولنا أقوال الفقهاء في إجابة سؤال ما هي المعوذات الثلاثة وفوائدها ببعض من التفصيل يجب توضيح أقوال المفسرين في معاني الألفاظ الغريبة في الثلاث سور وهي:
- “أَحَدٌ” هو الواحد الذي لا شبيه لا ولا نظيره له، وقال بعض أهل اللغة أنه الوتر الذي لا نظير له ولا يتجزء ولا ينقسم فهو متحد في الصفات.
- “الصَّمَدُ”من أسماء الله الحسنى وصفاته العلا وهو الذي تصمد إليه أي تُسند وحده الأمور كلها، وهو المقصود من العباد في النوازل والمصائب.
- ” كُفُوًا” أي مساويًا ومماثلًا.
- “الفلق” الصبح.
- “غاسق” هو الليل شديد الظلمة.
- “وقب” وصف لليل أي دخل وحل الإظلام.
- “النَّفَّاثَاتِ” يقول الفسرون أنهن الساحرات اللاتي ينفث في السحر والعقد التي يعقدونها بسحرهن.
- “الوسوساس” الشسيطان الذي يوسوس، وهو الهمس الخفي والصوت الحلي كما قال الله تعالى في سورة ط: “فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ (120)”
- ” الْجِنَّةِ” هم الجن.
بذلك نكون قد ذكرنا كثيرًا من أقوال الفقهاء في إجابة سؤال ما هي المعوذات الثلاثة وفوائدها بالأدلة الصحيحة من القرآن والسنة النبوبة ومن أقوال الصحابة، كما ذكرنا طريقة الرقية بالمعوذات، وسبب تسميتهم بهذا الاسم ومعاني غريب الألفاظ الواردة في السور الثلاثة، حفظكم الله من فضله والصلاة والسلام على النبي الكريم.