ثقف نفسك

معايير التفكير الناقد

إننا بحاجة ملحة إلى معرفة معايير التفكير الناقد في هذا العصر، فعلى الرغم من الثورة الصناعية والتكنولوجية الطاغية على حياتنا من جميع الجهات، إلى أن الكثير من الناس تغلق على النفس في السرداب، وتفعل فقط ما يجذب الآخرين، وتتخلى عن فكرة إعمال العقل وتكون إمعة لتجارب وقناعات الغير، والآن سوف نتعرف على معايير التفكير الناقد من خلال موقع النيل.

معايير التفكير الناقد

نتعرض للكثير من الفتن، للكثير من الجماعات المتضادة التي يحاول كلًا منها أن يؤثر في أفراد المجتمع، وكأن الأفراد هم عبارة عن مجموعة من القطيع، لا يعرف كيف يتأكد من صحة ما يسمعه من أخبار، للأسف الشديد هذه الظاهرة دراجة إلى حد كبير بين الناس، لذلك يجب ان نتعرف على معايير التفكير الناقد، التي تمكن الشخص من إعمال العقل، والتي تتمثل في الآتي:

وضوح المقصد

نتعرض إلى الفهم الخاطئ في الكثير من الأحيان، وهذا يكون لسببين السبب الأول أن تفسير الطرف الآخر للكلام يكون مبني على خبرته وطريقة تفكيره، وقناعاته في هذه الحياة، والسبب الثاني هو أن يقدم المتحدث المعلمة بصورة مبهمة، بصورة تشعر المستمع أن القائل يتحدث بالألغاز.

لكن الشخص المتمتع بالقدرة على التفكير الناقد، لا يكتفي بسماع المعلومة المبهمة والصمت، بل يظل يستفسر حتى يتأكد من أن المعلومة واضحة تمامًا، وتحتوي على المقصد الحقيقي للقائل، فعلى سبيل المثال يقول إلى الطرف الآخر أنه لم يستطيع إدراك مقصده.

كما أنه يود الشخص المتحدث أن يقول ما يريد إيصاله بطريقة مختلفة، أو طريقة أكثر وضوحًا، كذلك فإن الشخص الذي يتصف بإدراكه لمعايير التفكير الناقد، يكون أكثر وضوحًا في حديثه مع الآخرين، فنجد أنه يتبعد عن الأقوال المبهمة ذات المعاني المتعددة.

إذا تعامل الناس من خلال هذا المعيار فسوف تندثر الفهم الخاطئ بين أفراد الأمة، كما يجب التنويه إلى أن عدم وضوح المقصد هو مدخل أساسي لوساوس إبليس، فيبدأ بتسريب سوء الظن على النفوس شيئًا فشيئًا، حتى يكره الناس بعضهم، فينفصل الأزواج، وتتشتت العائلات، ويفقد الأقران ليظل الشخص منطوي في وحدته.

القدرة على الربط

تعد هذه النقطة من أهم معايير التفكير الناقد، حيث أن الشخص الغير قادر على ربط البيانات ببعضها ومن ثم ربطها بالموضوع الرئيسي غير قادر على الوصول إلى نتيجة، بل سيكون في نهاية الأمر لديه الكثير من البيانات المتفرقة التي لا تثمر بأي معنى.

لذلك نجد أن صاحب التحليل المنطقي للأمور، لديه القدرة على كشف حقيقة المخادعين، فلا يسمح لهم بالتحدث عن أمر أخر في وسط الحديث من أجل تضليل المستمع، بل تجدونه يوقفونه عن التحدث متسائلين إذا ما كان يتحدث به له رابط بالموضوع الأساسي أم لا.

إن تلك السمة ليست فقط تفيد الشخص في عملية كشف المخادعين والأشخاص الراغبين في نشر الفوضى بين الناس، بل أيضًا هي سمة تميز معظم الناجحين في هذه الحياة، حيث أن القدرة على الجمع بين العناصر الفرعية والموضوع الأساسي هم أصحاب المشروعات الناجحة.

صحة القول

غالبًا ما نجد بعض الأشخاص يتفوهون بالتراهات، وعندما نسألهم كيف عرفت هذا الأمر؟ يقول لقد سمعت فلان يقول هذا الكلام، وهذه هي أفضل طريقة لبناء شخص منعدم الشخصية، غير قادر على اتخاذ القرارات، فهو يستمع بدون أن يتأكد من صحة ما يقوله الآخرين.

فنجد أن الشخص الذي يتسم بمعايير التفكير الناقد لا يسمح للأفكار أن تتغلغل لديه لتصبح قناعات قبل أن يتأكد من صحتها، فإذا تحدث شخص ما ببعض الأنباء، أول ما يرد به الشخص صاحب التحليل المنطقي هو ما هو برهانك على ما قلته؟ كيف يمكنني أن اتيقن من صحة ما تتفوه به؟

حتى الأنبياء والرسل قد جاؤا بالبينات، لأننا قد فطرنا على التفكير والتحليل، لا يمكننا الإيمان بقول الناس إلا عندما يأتوا بدليل، لذلك فنجد أن الله قد أنزل كل نبي بدليل على نبوته، وبدليل على أن الله واحد أحد قادر على فعل كل ما لا يستطيع العقل ان يتوقعه او يستوعب كيفية حدوثه.

كما نجد أن الالتزام بتلك السمة هو أمر يفيد في شتى مجالات الحياة، فالأمر غير متعلق فقط بالأخبار العامة، بل إنها تؤثر كذلك على تعاملاتنا مع الآخرين، فنجد الكثير من الناس التي تتمنى لنا السوء التي تود الإيقاع بيننا وبين أحبابنا، فكم من أسر تشتت بسبب بعض الأقاويل الكاذبة، ولكن الشخص المفكر لا يقع في مثل هذا الفخ على الإطلاق.

العمق في الحديث

توجد الكثير من الظواهر في هذا العصر التي نرى أن الآراء التي تطرح فيها تفتقر إلى المعاني الحقيقية، فتتم مناقشتها بصورة سطحية تمامًا، فتنتشر القناعات التافهة عن هذا الموضوع، وفي تلك اللحظة نكون بحاجة شديدة على شخص يفقه المعاني الأصيلة في الحياة، ويمتلك المعايير الصحيحة.

من ضمن الأمثلة المنشرة عن هذا الموضوع هو عمل المرأة بعد الزواج، فنجد الكثير من الآراء التي تنوه على أن المرأة يجب ألا تتخلى عن عملها مهما حدث في بيتها من مشاكل، يجب أن تبلغ أحلامها حتى إذا كان ذلك على حساب زوجها وأطفالها، فقط عليها أن تثبت كيانها في شركتها، أو مكان عملها.

ويتم التغاضي عن الكيان العظيم الذي تبنيه المرأة عندما تقوم بإخراج أولاد ينفعون المجتمع، يكون خير مثال على الشخص المسلم، كم يكون له آثر عظيم عندما تقوم بإخراج شخص سوي نفسيًا في ظل كم الاضطرابات النفسية والشعور بالنقص الذي نراه كل يوم في المجتمع.

لكن هذا ليس معناه ألا يمكن للمرأة أن تعمل، يمكنها ذلك ولكن تحت مظلة لا يمكنها الخروج عنها والتي تتمثل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ لنَفْسِكَ عليكَ حقًّا، ولِرَبِّكَ عليكَ حقًّا، ولِضَيْفِكَ عليكَ حقًّا، وإنَّ لِأهلِكَ عليكَ حقًّا؛ فأَعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ) الراوي: وهب بن عبد الله السوائي أبو جحيفة، المصدر: صحيح الترمذي.

فإذا كانت المرأة قادرة على أن تعطي بيتها وأولادها حقهم، يمكنها القيام بما تريد، لكن عن كانت غير قادرة على ذلك، فإن اول ما سوف تسأل عنه أمام الله هم أبنائها وزوجها، وليس معدل الأموال التي تربحها شركة معينة، وهذا يمثل العمق في الحديث بعيدًا عن التفاهات.

الاتساع في المشكلة

في القضايا الإجرامية يهتم المحقق بجميع التفاصيل الصغيرة منها والكبيرة فهو يرى التفاصيل الصغيرة على أنها طرف الخيط الذي يوصله إلى الحقيقة، وهذه الطريقة غير قاصرة على إيجاد المجرمين فقط، بل إنها منهجية صحيحة للتفكير التي يجب لكلًا منها اتخاذها.

يتم هذا من خلال طرح الكثير من الآراء للتخلص من العراقيل وعدم الاكتفاء بحل واحد، فنجد أن الشخص الذي لديه معايير التفكير الناقد، لا يكتفي بسماع رأي واحد بل يسأل الآخرين هل تتواجد لديك آراء أخرى؟ هل تتواجد تفاصيل أخرى خاصة بالموضوع؟ ليصل أنه قد ألم بجميع البيانات التي يحتاجها حتى يصل على كيفية القضاء على العراقيل المواجهة له.

الدقة في الحديث

الشخص المحلل للمواضيع يحب أن تتمثل الدقة في البيانات التي تصل إليه، فعلى سبيل المثال إذا قال له أحد ما أن الغازات الدفيئة هي المسؤولة عن زيادة سخونة الأرض، أو ما سيطلبه منك أن تقول له المعلومة بدقة أكبر، أي تقول له أسماء هذه الغازات، وما تفعله بالضبط حتى تسبب في هذه الظاهرة التي يمكن أن تقضي على البشر؟

التفكير المنطقي

إن الشخص الذي يتسم بمعايير التفكير الناقد لا يمكن لعقله قبول أي فكرة وتصديقها، فعلى سبيل المثال إذا قال له شخص أنه ليس لديه أي معلومات عن مجال الكيمياء، ولكنه سوف يتمكن من تدارس مادة الكيمياء الحيوية كلها في ساعتين، فنجد أن الشخص المفكر يطرح الكثير من علامات التعجب هنا، لأن التفكير المنطقي لا يقف في صف الطرف الآخر على الإطلاق.

المغزى والإنصاف

إن التفكير الموضوعي يشتمل على التأكد من أهمية الموضوع الذي يتم التحدث فيه ومدى تأثيره على الناس، أو على الشخص الذي يتم مناقشته، فنجد أن الشخص صاحب التفكير الناقد لا يتحدث عن المواضيع التي ليس له هدف أو غاية مهمة، فهو لا يفقد طاقته في الحديث عن التفاهات.

كما أن من ضمن المعايير التي تتمثل في الشخص كنتيجة لباقي المعايير السابقة، هي القدرة على القسط في المواضيع المختلفة، فهو قادر على كشف الجانب الشرير التي لا تتواجد لأفعاله أو أقواله أي مبادئ أو قناعات صحيحة.

مزايا التفكير الناقد

في سياق التحدث عن موضوع معايير التفكير الناقد، سوف نتحدث عن الأمور الإيجابية العائدة على الشخص نتيجة لتميزه بالتفكير الناقد، والتي تتمثل في الآتي:

تحرير الفرد من التعصب والميل مع الهوى

نجد أن الكثير من الأشخاص تتميز نقاشاتهم بالحدة، فيكره من حولهم التحدث معهم في أي موضوع، وهذا لعدم قدرتهم على تحمل ان يقوم أحدهم بالتغلب عليهم في النقاش، فهم يسيرون فقط وراء عواطفهم ويضعون المنطق جانبًا.

هذا تحديدًا ما يتخلص منه الشخص عندما تكون له القدرة على التحليل، فيكون راغب فقط في معرفة الحق، وليس إثبات ما إذا كان على حق أولا، كما تكون له مجموعة من المبادئ والمعايير الصحيحة التي يسير عليه، وعلى هذا الأساس فهو الأكثر ابتعادًا عن المحرمات، وعن فعل ما توده نفسه من أمور سيئة.

التفكير الناقد أساس البحث العلمي

 إن جميع العلماء على مر التاريخ كانوا يعتمدون على التفكير التحليل للوصول إلى النتائج العظيمة التي قدمت الكثير إلى العالم بأكمله، وبذلك فإن الشخص القادر على التحليل المنطقي هو الأكثر قدرة على الإلمام بالكثير من المعلومات والاستفادة منها وتطبيقها.

نقل الفرد من الحالة السلبية إلى الحالة الإيجابية

إن الشخص الإمعة الملاحق لآراء الآخرين غير قادر على تقديم التقدير لذاته، بل غنه فارغ من الداخل، تنادي عليه نفسه من داخل السجن الذي يحبسها فيه فلا يجيب عليها بل يكبتها ليفعل ما يمليه الآخرين فقط، مما يجعل الشخص في حالة من الحزن الدائم.

حيث أن آثر سجن النفس لا يمكن إخفائه، وبالطبع في حالة التفكير المنطقي يكون الشخص معبرًا عن ذاته مما يجعله مقدرًا لقيمة نفسه حتى وغن كان كل العالم ضده.

التسلح بالعلم

إن الأشخاص المتخذة للتحليل الموضوعي منهج لها لا يمكن إقناعها بالتراهات، فهم لديهم ما يكفي من البيانات التي تساعدهم على تمييز الحق من الباطل، وهذا نتيجة البحث الدائم والمستمر عند التعرض إلى أي معلومة جديدة للتأكد من صحتها

إن التفكير الناقد يجب أن يكون متمثلًا في الأمة بأكملها، فنحن أمة الإسلام وأول ما أنزل في الوحي لهذه الديانة هو أقرأ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى