حكم قطع العلاقة مع صديق
ما حكم قطع العلاقة مع صديق؟ وكيف يمكن إنهاء الصداقة؟ فنادرًا ما نجد صداقات تدوم لمدى الحياة أو لمدة طويلة فالتغيير فطرة في الإنسان لا يمكن أن يتجاهلها أو يبتعد عنها، ولكن التغيرات الكثيرة في الحياة والشخصية من الممكن أن تسبب إنهاء مجموعة من العلاقات أو الوصول إلى حد القطع، لذلك من خلال موقع البلد نعرض مدى صحة أو خطأ قطع العلاقة بين الأصدقاء.
حكم قطع العلاقة مع صديق
إنه في الشرع يحرّم هجر المسلم لأخيه فوق الثلاث ليال إلا لعذر شرعي، وعليه قد يختلف الحكم باختلاف دوافع القطع، فإن كان الأمر فيه أذى نفسي أو جسدي فيجوز الهجر، ولكن دون إحراج أو إساءة، وعليه فإذا لم يكن الضرر في الدين أو الدنيا فلا يجوز الهجر كليةً، مع التنويه أن الهجر قد يزول بالسلام والرد على السلام.
أحاديث عن الهجر بين الصديقين
للتعرف بصورة أكبر عن حكم قطع العلاقة مع صديق فقد كان للرسول – صلى الله عليه وسلم – رأي حكيم في الهجر بين الأصدقاء ويمكننا استعراض أقواله في الأحاديث التالية:
- “لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيالٍ، يَلْتَقِيانِ فيُعْرِضُ هذا ويُعْرِضُ هذا، وخَيْرُهُما الذي يَبْدَأُ بالسَّلامِ” [صحيح مسلم]
- “تُفتَحُ أبوابُ الجنَّةِ يومَ الاثنينِ والخميسِ، فيغفرُ اللهُ عزَّ وجلَّ لِكلِّ عبدٍ لا يُشرِكُ باللهِ شيئًا، إلَّا رجلًا كانَ بينَه وبينَ أخيهِ شحناء، فيقول: أنظروا هذينِ حتَّى يصطلحا، أنظِروا هذينِ حتَّى يصطلِحا، أنظِروا هذينِ حتَّى يصطلِحا” [صحيح مسلم].
- “قالَ لي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ: اسْتَنْصِتِ النَّاسَ ثُمَّ قالَ: لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ” [صحيح البخاري].
- “َرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، ومَن كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ منهنَّ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حتَّى يَدَعَهَا: إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ” [صحيح مسلم].
- “أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ سَمِعَ جَلَبَةَ خَصْمٍ ببَابِ حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إليهِم، فَقالَ: إنَّما أَنَا بَشَرٌ، وإنَّه يَأْتِينِي الخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَهُمْ أَنْ يَكونَ أَبْلَغَ مِن بَعْضٍ، فأحْسِبُ أنَّهُ صَادِقٌ، فأقْضِي له، فمَن قَضَيْتُ له بحَقِّ مُسْلِمٍ، فإنَّما هي قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَلْيَحْمِلْهَا، أَوْ يَذَرْهَا” [صحيح مسلم].
نفهم من تلك الأحاديث النبوية مدى أهمية الصداقة في الإسلام، وأن حكم قطع العلاقة مع صديق غير واجب في حالة كان الشخص صالح أو تقي، وبينما إن كان هناك خلافات ومشكلات فيفضل حلها بدلًا من القطيعة، فمن الأفضل ترك الود وإن ابتعد المرء عن صاحبه.
أسباب تدفع إلى إنهاء الصداقة
هناك مجموعة من الأسباب تظهر في العلاقات فتدفع أحد الأطراف إلى التفكير في إنهاء هذه العلاقة، ونحصرها فيما يلي لنعلم حكم قطع العلاقة مع صديق في مثل ذلك الموقف:
1- عدم التفاهم بين الطرفين
علاقات الصداقة تقوم في أساسها على مجموعة من الأمور أهمها التفاهم، والعلاقات التي يمكن أن تفتقر للتفاهم يمكن أن تؤدي إلى حدوث حرج اجتماعي، وعند تفاقم المشكلة يبدأ أحد الأطراف بالتفكير في إنهاء الصداقة ولا يعيبه هذا الأمر أو يأثم عليه.
2- تغيير الشخصيات والاهتمامات
الإنسان يتغير على مدى عمره كل خمس سنوات على الأقل فالشخص ليس نفسه قبل خمس سنوات الاهتمامات تتغير والأولويات أيضًا؛ لذلك من الممكن أن يؤول الأمر إلى إنهاء الصداقة في حال رأى أحد الأطراف أنه الأفضل ومن الممكن أن يكون السبب الانتقال إلى مدينة أخرى، فلا إثم في هذا طالما لم يضر الطرف الآخر.
3- تصرفات سيئة من الطرف الآخر
أحد الأسباب المباشرة التي يمكن أن تساعد في إنهاء العلاقات هي بعض التصرفات التي قد لا يتقبلها أحد الطرفين من الآخر فيقوم فورًا بإنهاء تلك العلاقة، وتكون مثل هذه التصرفات الكذب والخداع أو عدم الحفاظ على الحدود غير من التصرفات الغير مقبولة.
4- مواقف متراكمة بين الطرفين
ليس من الضروري أن يتم إنهاء الصداقة بين طرفين بعد حدوث موقف كبير، ويأتي الأمر من خلال مجموعة من المواقف الصغيرة المتراكمة وأخطاء عادية بين الصديقين والتسامح في الأمر والاستمرار دون أي محاولة للتعبير عن المشاعر.
5- حدوث تغييرات اجتماعية
من الأسباب الشائعة في إنهاء علاقات الصداقة هي المشكلات الاجتماعية والتي يمكن أن تتمثل في ضغوط اجتماعية يسببها أحدهم للآخر، ويمكن أن يكون السبب هو اتساع الفجوة الاجتماعية مع الأصدقاء أو اختلاف وجهات النظر، ويمكن أن يكون السبب هو تغيير الحالة الاجتماعية مثل الارتباط والزواج.
6- صداقة سامة
بعض الناس يكتشفون أن إحدى الصداقات التي ينخرطون بها تكون سامة بمعنى أنها تسبب لأحد الأطراف إزعاجًا والعديد من المشاعر السلبية وهي من أسوأ العلاقات التي تعد جريمة في حق النفس الاستمرار بها.
7- الحصول على أصدقاء جدد أفضل
بعض الأشخاص بعد أن يتعرفوا على أصدقاء جدد وانخراطهم معًا يشعرون أن الأصدقاء الجدد أفضل في حياتهم من القدامى، وليس من السهل أن يتم الحفاظ على مجموعة كبيرة من الصداقات في نفس الوقت وبنفس الدرجة.
طرق إنهاء الصداقة
يرجى العلم أن حكم قطع الصداقة يعتمد على الطريقة والأذى الذي يحدث في النهاية، لذا إليك طريقة لإنهاء صداقتك بشكل جيد فيما يلي:
1- الاختفاء التدريجي
الابتعاد والاعتذار المستمر يعد من طرق الاختفاء التدريجي فالتهرب من الصديق ومن الاجتماعات التي يمكن أن تجمع الطرفين، يكون أفضل الصور وألطفها من أجل إنها العلاقة، فيستطيع الطرف الآخر فهم انقطاع التواصل وعدم الرغبة في استكمالها أو على الأقل يعتاد الأمر.
2- مواجهة الصديق
إعلان نهاية صداقة يحتاج إلى شجاعة وذلك لمواجهة الصديق، ولكن يجب في البداية أن يتم ترتيب الأسباب والدوافع التي أدت إلى الوصول إلى هذه النقطة فلا يمكن أن يتم إعلان انتهاء الصداقة دون توضيح أي أسباب منطقية.
آداب التعامل بعد إنهاء الصداقة القوية
إنهاء علاقات الصداقة لا يعني بالضرورة أن نتجنب ونتهرب مواجهة الأطراف، ولكن الأفضل أن يتم خلق مساحة مشتركة رسمية يتم تبادل الاحترام فيها، ويتم ذلك باتباع ما يلي:
1- الحفاظ على الأسرار
انتهاء العلاقة لا يعني السماح بالإفصاح عن الأسرار التي تم تبادلها في أحد الأوقات، وبالأخص إن كانت بعض تلك الأسرار قد تؤذي الطرف الآخر أو يمكن أن تشوّه صورته بين الناس، فمن الآداب أن تبقى الأسرار في موضعها إلا الأبد.
2- الابتعاد عن تحريض المشتركين
من الأفضل أن يكون الطرفين في تعامل حياديّ إذا كان بينهما مجموعة من الأصدقاء المشتركين حتى لا يتحول الأمر إلى أحزاب وحروب نفسية وعصبية تنهي علاقات صداقة أخرى ليس لها أي ذنب.
3- التحدث عن هذا الشخص بصورة جيدة
لم يطلب أحد أن يتم الشكر أو الثناء على الطرف الآخر فقط فيجب أن نتجنب التجريح والكلام السلبي والانتقاد الذي يكون الهدف الرئيسي ورائه هو تعكير مزاج أو الإساءة إلى الطرف الآخر فقط.
4- الرد على المجاملات
إنهاء الصداقة لا يعني الهجر وعدم المخاطبة بل على العكس تمامًا فعلى الطرفين أن يحترما بعضهما البعض ويقومان بالسلام وتبادل التهاني والتبريكات في المناسبات الرسمية والمناسبات السعيدة فالطرفين ملزمان بالرد إذا ما تم توجيه الحديث لهم لأنها من آداب العلاقات.
5- ترك الفرصة لعودة العلاقات
أفضل ما يمكن عمله هو جعل أمور التعامل مع الأصدقاء في حدود حيث إنه لا أحد يعلم الغيب فمن الممكن أن يجتمع الصديقين في أحد الأمور الاجتماعية وتعود بينهما الصداقة مرة أخرى.
حقيقة استمرار الصداقة مدى الحياة
في إطار حديثنا عن حكم قطع العلاقة مع صديق فالكثير منا يمر بصداقات يعتقد أنها يمكن أن تستمر مدى الحياة وأن هذا الطرف الآخر هو الصديق المثالي، ولكن دراسة عالم الاجتماع جيرالد مولينهورست من جامعة أوتريخت الهولندية كانت نتيجتها هي:
- استمرار الصداقات يرتبط بصورة وثيقة بالظروف والفرص التي تمر بها العلاقة ومدى قدرة الطرفين على تخطيها.
- 30% من صداقات الدراسة سواء كانت مدرسية أو جامعية يمكن أن تتخطى السبع سنوات ولكنها تختلف حسب العوامل المؤثرة.
- الصداقة لا يمكن أن تكون محكومة فقط بالتجارب والمشاعر بل أيضًا بالمواقف الصعبة والظروف التي يمكن أن يمر بها الطرفين وقدرتهم على التغلب على كافة أنواع التغيرات.
- أنواع الصداقات التي يمكن القول إنها جديرة بالاستمرار هي التي يحاول الطرفين العمل عليها، وبذل الجهد لكن الصداقات التي تكون من طرف واحد غالبًا ما تنتهي وتفشل.
- الأمر أشبه بأن يكون لكل شخص دائرة خاصة به بها مجموعة من الأشخاص الثابتين ومجموعة قليلة جدًا متغيرة وقد تم عمل دراسة عام 1992 تم وضع رقم قياسي لهؤلاء الثابتين وأُطلق عليها اسم رقم دنبار عليها نسبة للباحث، وكان الرقم هو 5 فقط يدخل الشخص دائرته خمس أصدقاء ويكونوا مقربين له في نفس الوقت.
أسس اختيار الصديق الحقيقي
يرجى العلم أنه في حالة وجود صديق حقيقي فإنه من الهام الحفاظ عليه، وإليك أسس اختيار الصديق من البداية لكي تنعم معه بعلاقة طويلة العمر:
- قبول الصديق كما هو بعيوب ومميزات.
- الشعور بالمشاعر الصادقة المتبادلة والنية الحسنة.
- أن يكون حافظ للأسرار جيد.
- تجنب فعل ما يمكن أن يزعج الطرف الآخر.
- الفرح عند إنجاز شيء ما وكأنه هو من أنجز هذا الأمر.
- على علم بدينه متقرب من ربه يصاحبك في الجنة.
- يعلم فن الاعتذار والاعتراف بالخطأ.
- القدرة على الاستماع للهموم والمشكلات.
أهمية الصداقة في الحياة
إن حكم قطع العلاقة مع صديق يكون أخلاقي قبل أن يكون ديني، فعليك العلم بأهمية ومدى قوة الصداقة وتأثيرها على حياتنا لكي تتمكن من معرفة ما عليك فعله:
- تعزيز الصحة الجسدية والنفسية بأن يكون لدى كل شخص آخر مفضل له يكون صريح معه ولا يحكم عليه.
- تواجد شخص إيجابي في الحياة يساعد على تغيير نظرات الطرف الآخر للأمور.
- تكوين جماعات من الناس يمكن أن تقوم بمجموعة من الأعمال المفيدة للمجتمع.
أهمية الصداقة من أوائل الأمور التي سعى الدين الإسلامي إلى توريثها لنا وتوطيد أهميتها، وذلك من خلال الصداقة التي جمعت بين رسولنا الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – وصديقة الصحابي الجليل أبو بكر الصديق رضي الله عنه فكانوا نعم المثل والقدوة في الصداقة.