اسلاميات

شروط وقوع الطلاق

شروط وقوع الطلاق أو أركان الطلاق عند فقهاء الحنفية: هو الصيغة التي يعبر بها عن الطلاق، أما عند جمهور الفقهاء فقاموا بالتوسع في معنى الأركان ويدخلون في ما سموه بأطراف التعلق.

شرعه الله تعالى في قوله: “الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” (البقرة 229).

شروط وقوع الطلاق

شروط وقوع الطلاق كما فسرتها الدكتورة سحر أحمد المنياوي – رحمها الله – في كتابها “محاضرات في أحكام الأسرة” الذي جمعت فيه الأحكام الشرعية فيما يؤخذ به في المحاكم المصرية، ودار الإفتاء المصرية.

تنقسم شروط وقوع الطلاق إلى ثلاث أقسام هي:

إقرأ أيضًا: كفارة يمين الطلاق عند الغضب وأنواعه ورأي الإفتاء في كثرة التلفظ بالطلاق

أولًا: شروط وقوع الطلاق المتعلقة بالمطلِّق

هناك شروط يجب أن تتوافر في المُطلِّق (الرجل) حتى يقع طلاقه ويكون ساري، وهي:

أن يكون زوج

أي يكون بينه وبين المطلقة عقد زواج صحيح (فلا يقع طلاق من قال عندما أتزوج فلانة فهي طالق).
أو من يوكله الزوج بالطلاق أو يفوضه بذلك، ويبقى الأصل أن الطلاق حق في يد الزوج لا يسقط عنه.

أن يكون بالغ (مُكلف)

فلا يصح وقوع الطلاق من غير المكلف كالصبي لأن الطلاق ضرر محض فلا يملكه حتى وليه كما ورد في كتاب مغني المحتاج لقول النبي – صلى الله عليه وسلم: ” رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ :عَن المَجنونِ المَغلوبِ على عَقْلِهِ حتى يَبْرَأَ، وعن النائِمِ حتى يَستيقِظَ ، وعنِ الصبِيِّ حتى يَحْتَلِمَ” (صحيح الجامع 3512).. وهذا ما جرى به العمل في المحاكم المصرية أن الصبي غير المميز منعدم الإرادة وناقص الأهلية حتى وإن كان مميز لا يقع طلاقه.

العقل (أن يكون المطلق عاقلًا)

هذا الشرط يتعلق به عدة أحكام فيها تفصيل:

  • طلاق المجنون: ألحق الفقهاء المجنون بالصبي ناقص الأهلية فلا يقع طلاقه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق ذكره “عَن المَجنونِ المَغلوبِ على عَقْلِهِ حتى يَبْرَأَ” قال الفقهاء أن هذا حكم المجنون الدائم أما المجنون المتقطع فلا يقع له طلاق وقت جنونه إما إن طلق وقت إفاقته فيقع طلاقه، لكمال الأهلية في هذه الحالة.
  • طلاق المعتوه: هو الشخص ضعيف الفهم، فاسد في أمور التدبير، التردد في القول به بين العقلاء وغير العقلاء.
    قال الفقهاء عنه أنه لا يقع له طلاق أيضًا لنقصان أهلية الأداء عنده.
    كما لا يقع طلاق العاقل في حياته لكن أختل عقله على كبر أو مرض أصابه أو مصيبة ألَمت به لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا طلاقَ ولا عَتاقَ في إغَلاقٍ” (روته السيدة عائشة أم المؤمنين/ سنن أبي داود 2193).
  • طلاق السفيه: ذهب الفقهاء إلى وقوع طلاق السفيه، لوقوع التكليف عليه وإن كان محجور عليه في ماله فله التصرف في ما ليس عليه حجر كالشخص المفلس، حتى وإن تبع هذا الطلاق أي آثار مادية نحو النفقة والمهر وما إلى ذلك فهذه الأمور تبع لا أصل في التصرف، وهذا الرأي هو ما أخذت به المحاكم المصرية.
    – وعلى هذا بالتبعية عند جمهور الفقهاء يقع طلاق ذي الغفلة.
    السفه: هو خفة في العقل تجعل الإنسان يتصرف في ماله على غير ما يحكم عليه الشرع.
    الشخص ذي الغفلة: هو الشخص الذي لا يقدر على التميز الكافي بما ينفعه أو يضره ويُغبن في تعاملاته المالية مع غيره.
  • طلاق السكران: هو الشخص الذي اختلط كلامه بين الجد والهزل فلا يستبين استقراره على شيء؛ بسبب تناوله لمسكر بشكل طوعي بإرادة حرة منه بغرض الاستمتاع، حتى يفقد وعيه ويهذي بكلام ولا يُفهم مقصده وبعد إفاقته لا يعي ما صدر منه أثناء سكره.
    اختلف الفقهاء في حكم طلاقه إلى فريقين:
    – بعض فقهاء الحنفية يرون أن الطلاق حال سكره لا يقع لأنه ذاهب العقل، ولا إرادة له في ذلك ولا مقصد؛ بغض النظر إذا كان السكر محرم أم كان بسبب مباح، وشبهوه بالنوم والإغماء، وهذا ما أخذ به القانون.
    – جمهور الفقهاء ذهبوا إلى وقوع طلاق السكران، إذا كان سكره طائعًا مختارًا لا مجبر ولا مضطرًا لذلك نحو دواء أو عملية جراحية أو ما شابه، أما إذا كان سكره غير محرم مثل شرب دواء فذهب عقله فلا يقع منه طلاق.
    (يرى بعض الفقهاء أن في ذلك تربية له على جريمة هذا الفعل المحرم لكن الرد عليهم كان وما ذنب باقي الأسرة لأن الطلاق لا يقع على المُطلق فقط بل يمتد أثره على الزوجة والأولاد إن وجدوا).

القصد والاختيار

أي قصد الرجل باللفظ الموجب بالطلاق بإرادته الحرة ودون إجبار من أحد، وعلى هذا فسر الفقهاء عدة مسائل هي:

طلاق الهازل

هو الشخص الذي ينطق بلفظ الطلاق على قصد المزاح واللهو والضحك دون أن يقع منه القصد في فراق زوجته، وهذا اختلف الفقهاء في حكم طلاقه إلى فريقين:

  • جمهور الفقهاء يرون وقوع طلاق الهازل (من قصد قول اللفظ لكن لم يرد المقصد من ورائه وما يدل عليه) لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “ثَلاثٌ جِدُّهنَّ جِدٌّ، وهَزْلُهنَّ جِدٌّ؛ النِّكاحُ، والطَّلاقُ، والرَّجْعةُ” (أخرجه أبو داود 2194) ، ولذلك لعظم أمر الطلاق وأنه محل الحكم به هي المرأة (إنسان) والإنسان أكرم مخلوقات الله تعالى، فلا ينبغي أن يجرى الكلام في مصائرها بالهزل، وأن الهازل قاصد لفظ الطلاق ويعرف الحكم المترتب على قوله هذا اللفظ، فيقع الطلاق صيانة لحرمة عقد الزواج والرباط المقدس بين الزوجين وزجرًا لذلك المازح بأمر الحياة.
  • بعض الفقهاء يرون عدم وقوع طلاق الهازل؛ لأنه لم يقصد الطلاق وأن لفظ الطلاق يترتب على النية، وفي ذلك قوله تعالى: ” وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” (البقرة 227)
    فالآية الكريمة دلت على أهمية العزم واعتباره في الطلاق، والشخص الهازل لا عزم له
    ورد جمهور الفقهاء على هذا الرأي: أن اعتبار العزم يكون في غير اللفظ الصريح للطلاق وأن اللفظ الصريح لا يحتاج إلى عزم.

على ما سبق استقر رأي القضاء أن طلاق الهازل والكاذب يقع في حال التلفظ به.

طلاق الناسي وطلاق المُخطئ

المُخطئ: هو الشخص الذي لم يقصد التلفظ بالطلاق من الأصل وإنما كان يقصد لفظ آخر فسبقه لسانه بقول الطلاق، دون قصد منه على عكس الهازل الذي قصد لفظ الطلاق
الناسي: هو من فاته إنه تزوج من الأساس ونطق بلفظ الطلاق دون قصد منه، اختلف الفقهاء في حكم المخطئ والناسي إلى فريقين:

  • ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم وقوع طلاق المخطئ (من الناحية الدينية والناحية القضائية) إذا لم يثبت بأي قرينة إنه كان قاصد الطلاق (نحو شجار مع زوجته أو ما شابه) فإذا ثبت إنه لم يكن مخطئ وقع طلاقه من الناحية القضائية ولم يقع من الدين لعموم حديث الرسول – صلى الله عليه وسلم: ” إنَّ اللهَ تعالى تجاوز لي عن أمتي الخطأَ، والنسيانَ، وما استُكرِهوا عليه” (رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما / صحيح الجامع 9603).
  • جمهور فقهاء الحنفية ذهبوا إلى وقوع قضاء المخطئ من الناحية القضائية ولا يقع في الدين لأن هذا بينه وبين ربه وهو أدرى بمقصده، وذلك بسبب خطورة محل الطلاق وهو المرأة، بجانب أن ذلك يفتح باب الادعاء بذلك كذبًا للتخلص من وقوع الطلاق، وهذه مفسدة عظمى وذريعة يجب سدها.
    أما من الناحية القانونية لا يمكن إثبات النية الحقيقية عند النطق بالكلمة فيؤخذ بظاهر اللسان، وعلى هذا حكم طلاق الناسي إذا كان ناسيًا حقيقة أو لا يقصد الطلاق.
    فلا يقع طلاقه من الناحية الدينية والأمر بينه وبين ربه الذي يعلم السر وأخفى قال تعالى: ” وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى” ( طه 7)

وهذا الرأي – الثاني – الذي أخذ به القضاء.

طلاق المُكرَه

المُكرَه: هو من يقوم بفعل شيء أو ترك فعل شيء دون رضا منه وإرادة واختيار، وإنما وقع تحت تهديد جسيم في نفسه أو أسرته أو ماله، أو أي وسائل ضغط أخرى لا قدرة للإنسان المُكره على احتمالها.
وشرط وقوعه الإكراه: هو قدرة المُكْرِه على تنفيذ ما هدد به حقيقة، عجز الشخص المُكرَه عن منع الأذى الذي وقع عليه من المُكْرِه عن طريق الفعل أو الهرب أو الاستغاثة.
المُكْرِه: هو القائم بالإكراه (الفاعل).
المُكرَه: هو الشخص الذي يقع عليه الإكراه (المفعول)

حكم طلاق المُكرَه

  • يرى جمهور الفقهاء عدم وقوع طلاق المُكرَه إذا كان الإكراه حقيقي وشديد ويغلب على عقل المُكرَه أنه من يكرهه سوف ينفذ وعيده إذا لم يطلق زوجته ويسميه الفقهاء (الإكراه المُلجِئ) وهذا لحديث النبي – صلى الله عليه وسلم: : ” إنَّ اللهَ تعالى تجاوز لي عن أمتي الخطأَ، والنسيانَ، وما استُكرِهوا عليه” (رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما / صحيح الجامع 9603). و حديث: ” لا طلاقَ ولا عَتاقَ في إغَلاقٍ” (روته السيدة عائشة أم المؤمنين/ سنن أبي داود 2193) والإغلاق هو الإكراه لآن الإنسان إذا أُكره أنغلق عليه الرأي وأصبه مثله مثل المجنون والنائم دون إرادة.
    فإذا كان الإكراه ضعيفًا، أو لا يمكن تأثر المُكرَه به (الإكراه غير المُلجِئ) وقع الطلاق لوجود شرط الاختيار هنا (كما ورد في كتاب المغني).
  • كل ما سبق إذا كان الإجبار بغير حق، فإذا كان بحق على يد قاضي (كالمولى الذي أنقضت مدة الإيلاء وأبى الفيئة طلقه القاضي وطلاقه صحيح) قال ابن قدامة في كتابه المغني: “وَالْمُولِي الَّذِي يَحْلِفُ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يَطَأَ زَوْجَتَهُ أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ شُرُوطَ الْإِيلَاءِ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهَا، أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ . وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ الْحَلِفَ بِذَلِكَ إيلَاءٌ . فَأَمَّا إنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ بِغَيْرِ هَذَا ، مِثْلُ أَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ، أَوْ عَتَاقٍ، أَوْ صَدَقَةِ الْمَالِ، أَوْ الْحَجِّ، أَوْ الظِّهَارِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ; إحْدَاهُمَا، لَا يَكُونُ مُولِيًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْقَدِيمِ . وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، هُوَ مُولٍ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ يَمِينٍ مَنَعَتْ جِمَاعَهَا ، فَهِيَ إيلَاءٌ “
  • ذهب الإمام أبو حنيفية إلى وقوع طلاق المكره بالإطلاق.

أخذ القضاء المصري برأي الجمهور ولا يقع طلاق المُكرَه.

إقرأ أيضًا: أنواع الزواج في الاسلام وشروط الزواج في الإسلام

طلاق الغضبان

الغضب لا أثر له في صحة تصرفات الإنسان، حتى يصل الغضب إلى تلك الدرجة التي لا يدري فيها الرجل ماذا يقول ولا يدري قصده من القول (الإغلاق) لا يقع طلاقه في هذه الحالة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا طلاقَ ولا عَتاقَ في إغَلاقٍ” (روته السيدة عائشة أم المؤمنين/ سنن أبي داود 2193)، وفي هذه الحال زال عقله وافتقد الإرادة والإدراك فأصبح مثل المجنون أو المغمى عليه.

وهذا الرأي ما أخد به المشرع في القانون المصري.

طلاق مريض مرض الموت

اتفق جمهور الفقهاء على أن طلاق المريض يقع في كل الأحوال سواء كان هذا المرض هو مرض الموت أم غيره (إلا إذا كان المرض يؤثر على القوى العقلية للزوج).

لكن هناك تفصيل في حالة إذا قام المريض في مرضه الاخير بتطليق زوجته المدخول بها – طلاقًا بائنًا – وهي في عدته، فإنها ترث منه، لأنه يعد في هذه الحالة فارًا من الميراث وترث من التركة عند جمهور الفقهاء وفي التفصيل:

قال فقهاء الشافعية: أن المطلقة البائنة لا ترث من طليقها.

قال فقهاء المالكية: أن المرأة ترث إذا مات في فترة العدة وبعد فترة العدة أيضًا معاملة له بنقيض ما قصد من منع شرع الله.

أخذ المُشرع في القانون بالرأي الأول.

ثانيًا: شروط وقوع الطلاق المتعلقة بالمطلقة

المطلقة: هي من يقع عليها حكم الطلاق (يسميها الفقهاء محل الطلاق).

  • اتفق الفقهاء على أن يقع الطلاق على المرأة المتزوجة زواجًا صحيحًا قائمًا (وجود العلاقة الزوجية بين الاثنين حقيقية وليس حكمًا)، سواء كان هذا الطلاق قبل الدخول بها (الخلوة الشرعية) أو بعد الدخول بها.
  • أن البائن بينونة كبرى لا يلحقها طلاق لأن الطلقات الثلاثة قد انتهت من عليها، والمرأة المطلقة البائن بطلاق قبل الدخول بها لا يلحقها الطلاق لأنها لا يجب عليها عدة.
    البائن بينونة كبرى: هي المرأة التي طلقها زوجها ثلاث طلقات ولا تحل له بعد ذلك..
    البائن بينونة صغرى: هي المرأة التي طلقها زوجها طلقة أو اثنتين ويمكنه ردها.
    لقوله تعالى: “الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ  فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” (البقرة 229).
  • يرى جمهور الفقهاء أن الطلاق يقع على المرأة التي تعتد من الطلاق الرجعي (وجود العلاقة زوجية بين الزوجين حكمًا وليس حقيقتًا) لأن الرجعية بذاتها امتداد للعلاقة الزوجية ولا يُنهي الطلاق الرجعي العلاقة الزوجية القائمة إلى أن تنتهي فترة العدة.
    ولذلك يرى الفقهاء أن العلاقة الزوجية إذا كانت قائمة حكمًا فيمكن أن يلحقها طلاق.
  • ويرى فقهاء المذهب الحنفي أن الطلاق يقع في وقت العدة للمرأة البائن بينونة صغرى (بعد الطلقة الاولى والطلقة الثانية).. لأنه زوجة للرجل حكمًا كالرجعية ويمكن له ردها بعقد جديد ولا يمكنها الزواج من غيره.
    بينما يخالفهم في ذلك جمهور الفقهاء بأنه لا يقع الطلاق على البائن بينونة صغرى لإن علاقة الزوجية بينها وبين زوجها قد انقطعت.. وعلى نفس المنوال يرى الأحناف وقوع الطلاق في عدة الفسخ (فسخ الزواج) إذا كان بسبب ردة أحد الزوجين عن الإسلام، لأن الفسخ هنا سبب طارئ ينقض عقد الزواج بعدما كان مستمرًا صحيحًا.
    – وعلى ذلك فإذا قال الرجل لزوجته (المدخول بها حقيقة): “أنت طالق.. أنت طالق.. أنت طالق”..
    بذلك وقعت عليها الثلاث طلقات فالأولى كانت وهي زوجة حقيقة وفي الثانية والثالثة كانت في العدة. فكانت صالحة لوقوع الطلقات الثلاثة.
  • والقول الصحيح (في رأي الفقهاء) أن الطلاق لا يتبعه طلاق سواء كان رجعيًا أو بائنًا بينونة صغرى أو بائن بينونة كبرى أو حتى فسخ؛ ذلك لأن الطلاق جعله الله مفرقًا لا مجمعًا وجُعلت العدة تتبع الطلاق لاستبراء الرحم ومراجعة الزوجة، فلا يجوز فيها أي طلاق آخر، ويرى الفقهاء أن الطلاق بعد الطلاق فيه استعجال ما جعل الله فيه أناة وأثبتوا ضعف أدلة الراي الأول.

الطلاق وقت الحيض

أن يطلق الرجل زوجته وهي حامل محرم بإجماع فقهاء المسلمين ومن أراد تطليق زوجته الانتظار لطهر لم يمسها فيه أو يطلقها وهي حامل وحملها مُتأكد منه لحديث عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهي حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذلكَ عُمَرُ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: “مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا، أَوْ حَامِلًا” (صحيح مسلم 1471).. والأولى في هذه الحالة أن يراجع الزوج وزوجته دار الإفتاء أو المحكمة الشرعية في بلدهم.

طلاق الحامل

اتفق الفقهاء على وقوع طلاق الحامل لحديث عبد الله ابن عمر السابق.

ثالثًا: شروط وقوع الطلاق المتعلقة بالصيغة

صيغة الطلاق: هي اللفظ المعبر عن الطلاق أو ما ينوب عنه من إشارة أو كتابة؛ ووضع الفقهاء شروطًا لكل من صيغة الطلاق الملفوظة أو صيغة الطلاق بالإشارة أو صيغة الطلاق المكتوبة.

شروط اللفظ المؤدي للطلاق

  • القطع والتأكد بأن اللفظ قد حصل (نطق به الرجل) وفهم معناه؛ فلو شك الرجل أنه قال لفظ الطلاق أم لا فهذا لا يعد ولا يقع طلاق “اليقين لا يزول بالشك”.
  • لا يقع الطلاق بمجرد النية (فلو نوى الرجل أن يطلق زوجته ولم ينطق باللفظ لا يقع طلاق)
  • لا يقع الطلاق إذا كان الرجل لا يفهم معنى كلمة طلاق في الأصل كأن يكون من غير الناطقين باللغة العربية.
  • لا يقع الطلاق بمجرد الفعل دون التلفظ بلفظ الطلاق (مثلا قام الرجل بطرد زوجته من البيت).

نية وقوع الطلاق باللفظ

إذا طلق الرجل زوجته بلفظ آخر لكن بنية الطلاق (الكناية عن الطلاق).

الألفاظ المستعملة في الطلاق الصريحة والكناية حددها الفقهاء وهي:

  • اللفظ الصريح:

هو اللفظ الذي لا معنى له آخر غير الطلاق وحل رباط الزوجية بلا أي تفسير ولا سؤال الرجل عن قصده أو تأويل الألفاظ؛ حددها الفقهاء في ثلاثة ألفاظ وردت في القرآن الكريم

  • الطلاق ومشتقاته نحو أنت طالق ومطلقة وأنا طلقتك (وعلى هذا اللفظ استقر رأي جمهور الفقهاء)

أضاف الإمام الشافهي – رحمه الله – لفظين آخرين للطلاق وهما:

  • الفراق: ورد في قول الله تعالى: ” فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا” (الطلاق 2).
  • السراح: ورد في قول الله تعالى: “… سَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا” (الأحزاب 49).

فإذا تلفظ الرجل بأحد هذه الألفاظ قاصدًا وأضاف إليه ما يحدد المرأة بعينها (اسمها مثلا)، ولم تتوافر أي قرينة مما ذكرنا آنفًا (السكر والجنون والغضب المغلق والإكراه..) لا يتم سؤال الرجل في هذه الحالة عن نيته (عند جمهور الفقهاء) ويقع الطلاق، فلا يتم اجتماع هذه الأوصاف إلا في النية الحقيقية فيقع الطلاق في حينها.

الطلاق بالكناية

الكناية: هو اللفظ الذي يحمل أكثر من معنى/ معنى الطلاق وغيره نحو قول الرجل لزوجته (اذهبي أمرك بيديك، أذهبي إلى أهلك، أنتِ حرة، كنتي فبنتي…) ويقصد الرجل به أن يطلق زوجته، أو يمكن أن الرجل يقصد هنا غير الطلاق، فهنا تحتاج إلى النية، فإذا نوى الزوج طلاق زوجته وقع الطلاق وإذا نوى غير ذلك لم يقع طلاقًا.

كذلك إذا وجدت قرينة في الحال تدل على الطلاق (إذا تشاجر الرجل مع زوجته وطلبت الطلاق فقال لها: أذهبي إلى أهلك).

في هذه الحالة انقسم الفقهاء إلى فريقين:

  • فقهاء المذهب الحنفي وفقهاء المذهب الحنبلي: قالوا بوقوع الطلاق وإن لم يقصد به الرجل الوقوع.
  • مذهب فقهاء الشافعية والمالكية: أنه لا يقع الطلاق باللفظ الكناية إلا إذا وجدت النية، فإن أنعدم وجود النية لا يقع الطلاق حتى مع وجود قرينة الحال.

أخذ القانون المصري بقول فقهاء الشافعية وهو الصحيح ولم يتم الأخذ برأي الأحناف (القانون رقم 25 لعام 1929).

وقال بعض الفقهاء لا طلاق من الأساس بلفظ الكناية.

شروط وقوع الطلاق بالكتابة

يمكن للزوج التحول عن النطق بلفظ الطلاق إلى كتابته، والكتابة يمكن أن يقع بها الطلاق – حتى لو كان الرجل قادر على الكلام – وفق عدة شروط:

  • أن تكون ظاهرة مستبينة يبقى أثرها واضح ثابت، حيث يمكن قراءتها بعدها في خطأ أو نحوه من الأوراق.. أما أن تكون غير واضحة أو لا يبقى لها أثر بعد الانتهاء من كتابتها فلا يعتد بها.
  • أن تكون موجهة للزوجة بعينها، مثلا أن يقول (يا فلانة أنت طالق) باستخدام أي لفظ صرح أو كناية مع نيته.

فالكتابة إذا كانت واضحة مستبينة موجهة إلى الزوجة بعينها بلفظ صريح يقع بها الطلاق بلا سؤال الزوج عن نيته، وإذا كانت الكتابة غير ظاهرة أو غير موجهة أو بلفظ الكناية يتم سؤال الرجل عن نيته في هذه الكتابة.

استدل الفقهاء بالقياس الشرعي على وقوع الطلاق بالكتابة بشروطها التي حددناها بفعل النبي – صلى الله عليه وسلم – عندما أرسل الرسالة التي أمره الله بتبليغها كتابة كما فعل مع بعض الملوك وبلغها قولًا في بعض الأحيان.

كما اشطرت الفقهاء شهادة شاهدين عدل على هذه الكتابة وأن هذه الكتابة للزوج، ولا يكتفي الفقهاء بشهادة الشهود أن هذا خط الزوج بل يجيب الشهادة أنه كتب هذا الكلام أمامهم، لما للعلاقة الزوجية من أهمية وقدسية في الدين الإسلامي يجب أخذ الحيطة الشديدة.

يرى ابن حزم عدم وقوع الطلاق بالكتابة لتفادي المشكلات التي قد تقع جراء الأخذ بذلك، وأن الزوجة تفاجئ بأنها مطلقة بعد فترة من طلاقها.

إقرأ أيضًا: هل يجوز الطلاق في رمضان وما حكم الطلاق في نهار رمضان

الطلاق بالإشارة

يقع الطلاق بالإشارة وفق عدة شروط:

  • أن تكون الإشارة واضحة مبينة مفهومة دالة على الإرادة.
  • أن يكون الرجل لا طريقة له إلا ذلك كالأخرس أما المتكلم فلا تقبل منه ولا يقع بها طلاق (في رأي بعض العلماء أن الطلاق بالإشارة للقادر على الكلام يقع لأنها تقوم مقام الكتابة).

المراجع

  • كتاب (محاضرات في أحكام الأسرة) للدكتورة سحر أحمد المنياوي رحمها الله
  • كتاب ( رد المحتار على الدر الختار) لابن عابدين
  • كتاب (مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج) لشمس الدين
  • كتاب (نيل الأوطار) لمحمد الشوكاني
  • الموسوعة الفقهية
  • أحكام الأسرة فقهًا وقضاء.
  • كتاب شروط وقوع الطلاق

بذلك نكون قد نقلنا لكم بتبسيط غير مُخِل بالمضمونِ رأي قول الفقهاء الأربعة في شروط وقوع الطلاق حفظ الله أسر المسلمين من أي شر وأبعد عنكم هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وشرورهم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى