حماية الطفل من سوء المعاملة
كيف يمكن حماية الطفل من سوء المعاملة؟ وما الطريقة المتبعة لتغيير ردة فعل الطفل؟ هذه الأسئلة تعد من أهم ما يجب أن يكون كل أب وأم ملمين بالتفاصيل الخاصة عن إجابتها، لكي يتمكنوا من حماية أولادهم وتربيتهم تربية سوية خالية تمامًا من العقد النفسية، لذا سوف نقدم لهم كل تلك الأجوبة بشيء من الدقة والتفصيل من خلال موقع البلد.
حماية الطفل من سوء المعاملة
أن أول شيء في تربية وتنشئة الأطفال يكمن في زرع القوة فيهم شرط أن تكون تلك القوة إيجابية، فلا يضروا غيرهم ولا يؤذونهم ولا يتعدوا حدود الأدب مع غيرهم سواءً كان صغيرًا أو كبيرًا، إلا أن أسوأ ما يمكن أن يتعرض له هو سوء المعاملة من أي شخص أيًا كانت صلته به.
هنا يجب على الأهل أن يتدخلوا بشكل قاطع وصريح من أجل وضع حد لتلك التصرفات التي يقع الطفل ضحية لها، لينهوا مأساة قد ينتج عنها عقدة نفسية خطيرة لدى الطفل، تجعل منه مستقبلًا آفة مجتمعية بدلًا من أن يصبح عضوًا فعالًا ومؤثرًا فيه بالإيجاب، وإذا أراد الأهل حماية الطفل من سوء المعاملة يجب تطبيق الآتي:
1- تعليمه سلوكيات الدفاع عن النفس
يجب على الأهل تعليم أولادهم أحدى الفنون القتالية في الدفاع عن النفس ولكن في مكان موثوق به وعلى يد مختصين في ذلك، مع ضرورة أن يكون هناك توعية من الأهل وتفهيمه بأن تعلم الفنون القتالية لا يقصد به العنف ولا يجب استخدامها في أذية وأذى الغير والتعدي عليهم.
كما يجب تعليم الطفل أنه لا يجب استخدام ما تعلمه من الفنون القتالية إلا عند اللزوم فقط، مثلًا في حال تعدى عليه أحد أقرانه من الأطفال بالضرب، عندها يجب أن يدافع عن نفسه بهذه الطريقة شرط ألا يلحق الأذى والضرر الشديد بمن تعدى عليه.
2- تعزيز الثقة بالنفس
إن الطفل ذو ردة الفعل السلبية تجاه الإهانة غالبًا ما يكون يعاني من قلة الثقة بنفسها إن لم يكن انعدامها تمامًا، فإن الطفل الواثق بنفسه يعرف قيمة ذاته جيدًا ويعرف أنه ليس من حق أي شخص أن يهينه أو يسيء معاملته أيًا كانت صفته.
كما أن الطفل معدوم الثقة بالنفس يشعر بالقِلّة أو يشعر أنه نكرة من حق أي شخص أن يسيء إليه، أو من الطبيعي أن يتعرض إلى الإهانة وسوء المعاملة من قبل المحيطين به بسبب أو من دون سبب، وتلك في حد ذاتها مأساة يعيش فيها الطفل بمفرده دون أن يشعر به أحد.
هنا ينبغي على الأهل أن يزرعوا في طفلهم الثقة بالنفس وهذا عن طريق النزول إلى مستواه العقلي، محاولين أن يفهموه معنى أن يكون إنسان وأن الإنسان هو أكرم خلق الله وأعلاهم مرتبة، ولم يخلق يومًا للإهانة وإنما خلق لكي يكون سيدًا للأرض التي يعيش عليها.
كما ينبغي أن يدعموا كل موهبة بسيطة يلمسونها فيه لكي يشعر بذاته ويؤمن بها ويقدرها حق التقدير، كل ذلك يجب تنميته في الطفل منذ نعومة أظافره لتجنب تحويل مستقبله فيما بعد إلى أفق مظلم معتم.
3- الردود المهذبة
ليس شرطًا أن تكون طريقة حماية الطفل من المعاملة السيئة معتمدة في المقام الأول على القوة البدنية، فإن القوة الحقيقية تكمن في القلب وتنبع من النفس ومكانها ليس في قوة الجسم وضخامة العضلات، فإن الأهل يجب أن يعلموا ابنهم أن يدافع عن نفسه من خلال دفع سوء المعاملة عن نفسه بالردود اللبقة المهذبة.
تلك الردود يجب أن تكون رادعة حازمة وفي نفس الوقت ليس فيها تعدٍ أو تطاول أو تخطٍ لحدود الأدب، فيعلموه أن يرد على من يسيء معاملتهم بالحسنى فإن الردود المهذبة على أي إساءة أو إهانة أي كان نوعها، محرجة أكثر بكثير من تلك التي تعتمد على رفع نبرة الصوت والتلفظ بألفاظ وكلمات غير لائقة.
هذه الطريقة من حماية الطفل من سوء المعاملة تجبر أي شخص على أن يحترم الطفل رغمًا عنه، لأنه يدرك تمامًا بأنه يتعامل مع طفل أكبر من عمره لديه طابع الرجال لبق فصيح اللسان وذكي، فينتبه الكبير قبل الصغير عند التعامل معه.
4- وضع حدود في التعامل
من الضروري جدًا أن ينمي الأهل في ابنهم ألا يسمح لأحد بأن يسيء معاملته أو يهينه ومع ذلك يبقى متحكمًا بنفسه، مسيطرًا على أعصابه ومتسامحًا بطبعه لا يمس أحدًا بسوء، ولكن كيف يمكن الجمع بين التصرفات الرادعة الحازمة في التعامل وبين التسامح ولين الطبع في آن واحد؟
ذلك يتم ببساطة عن طريق تعليم الطفل بأن ينبه من أمامه بأنه لا يقبل الإهانة أو سوء التعامل بدءًا من المرة الأولى، لأنه إذا رضخ واستسلم وكان سلبيًا في المرة الأولى، فإن ذلك سوف ينتج عنه توالي المرات التي يتعرض فيها للإهانة فيما بعد، وعندها لن يمكنه أن يوقف تلك المهزلة، لذا عليه أن يلزم من يؤذونه بتلك الطريقة حدودهم.
5- الاحترام
قبل أن يربي الأهل طفلهم على احترام الغير من كبير وصغير، عليهم أولًا أن يعلموه كيف يحترم نفسه وذاته، لأنه طالما لم يشعر الطفل بقيمة ذاته ويعطيها الاحترام التي تستحقه، فإنه سوف يتقبل الإهانة وسوء المعاملة من كل من حوله حتى من الأطفال الذين يصغرونه في السن.
يجب تعليم الطفل كيف يلزم حدوده مع نفسه بألا يقوم بأي فعل أو تصرف يعلم أنه سوف يعود عليه بالتوبيخ لأنه في النهاية إهانة، كما ويجب ألا يسمح الطفل بأن يقلل أي شخص من احترامه، وأن يراعوا وجوده ولا يعاملونه بطريقة غير لائقة لمجرد أنه لا يزال صغيرًا في السن.
6- التحفيز الإيجابي
يقصد بالتحفيز الإيجابي هنا هو تشجيع الطفل على رفض أي سلوك يقلل من شأنه وألا يسمح لأحد بأن يهينه، ومكافئته في كل مرة يلاحظ فيها الأهل تغير سلوكه إلى ما هو أكثر إيجابية وشجاعة، بأن يتم شراء الحلوى التي يحبها أو إهدائه لعبة يريدها أو الخروج به للتنزه واللهو.
7- عدم تعريضه لمشاهدة الخلافات المنزلية العنيفة
يمكننا تشبيه الطفل بأنه جهاز للتسجيل بالصوت والصورة لكل تفصيلة لأي حدث أو موقف بسيط يدور من حوله، ومن المؤكد أنه عندما يشاهد أو يسمع المشادات الكلامية والشجار بين والديه أو أحد أفراد عائلته، سوف يلاحظ الاشتباك بالأيدي والتطاول اللفظي.
هنا سوف يعتقد الطفل أن الإهانات وسوء المعاملة أمر طبيعي وروتيني وأساسي في حدوثه، وبالتالي لن يؤثر فيه كثيرًا أن يتعرض لسوء المعاملة أو على الأقل لن يشكو منها، لاعتقاده بأنها حق مشروع لكل من حوله وهي أمر متوقع وعادي وبديهي.
الحل هنا يكمن في إبعاد الطفل تمامًا عن نطاق النزاع الأسري أيًا كانت أطرافه ومهما كانت قريبة منه، لكي تتم حماية الطفل من سوء المعاملة يجب توفير بيئة نقية ونظيفة وسويّة لكي يعيش وينشأ فيها نشأة صحيحة كريمة.
أشكال سوء المعاملة
إن سوء معاملة الأطفال لا يقتصر على نوع واحد فقط من الإهانة، بل إن الأمر يتشعب لأكثر من نوع وشكل إلا أنها جميعًا تندرج تحت بند وعنوان الإساءة في التعامل وتوجيه الإهانات للطفل، ومن بين أشكال سوء المعاملة:
1- التوبيخ
توبيخ الطفل ولومه ووضعه في خانة النقد السلبي دومًا يعد من أبرز أشكال وصور الإهانة، لا ضرر من لوم الطفل على تصرف خاطئ قام به بالرغم من تحذيره من تكراره من قبل.
إلا أن التوبيخ والسب والشتم يترك في نفس الطفل أثرًا مؤلمًا عميقًا، حتى وإن لم يكن الطفل قادرًا على التعبير عن مدى ما يشعر به من سوء نتيجة الإهانة وخاصة إذا كانت أمام الناس من أهل أو أقارب أو زملاء مدرسة.
2- التنمر
السخرية من الشكل أو الهيئة أو الوضع الاجتماعي أو الجسدي والصحي للطفل أو حتى لشخص كبير، يعتبر في كثير من الدول المتقدمة جريمة نفسية بشعة، يعاقب عليها القانون بالسجن ودفع الغرامات المالية الضخمة للشخص المتضرر من التنمر.
لا يمكن إنكار حقيقة أن الكثير من الكبار يمزحون مع الطفل بالسخرية على شكله أو ملابسه أو طريقة كلامه، إلا أن هذا يؤذيه كثيرًا وتلك ليست أفضل طريقة لممازحة الطفل والضحك معه.
3- المعايرة والمقارنة
معايرة الطفل بخطأ ما ارتكبه في وقت سابق يعد ضربًا من ضروب سوء المعاملة، ومقارنته مع طفل أخر ووضعه في الخانة السلبية يشعره بألم نفسي لا يوصف ولا يمكن نسيانه، وهذا يعلمه فيما بعد ألا يتجاوز عن أخطاء غيره، ويعلمه الحقد على الغير والشعور بأنه نكرة لا قيمة له، وأقل جماد على هذه الأرض أفضل منه بمراحل.
4- الاستهزاء
يجب مراعاة عقلية الطفل الصغيرة التي لم تتخطَ عدة أعوام واستقبال كل ما يقوله أو يفعله بصدر رحب، لأن الاستهزاء بكل شيء يقوله أو يفعله يلحق به الأذى على الصعيد النفسي، ويولد لديه شعورًا دائمًا بالخوف من فعل أو قول أي شيء، وينتج عن ذلك فيما بعد جموده الفكري والعقلي وخوفه المستمر يمنعه حتمًا من الإبداع ويطفئ بريق الذكاء فيه.
5- الإهمال
إهمال الطفل وتهميشه تمامًا يعد أيضًا من أشكال سوء المعاملة، لأن الطفل هنا يعشر وكأنه صفر تم وضعه في خيانة اليسار وليس له أي قيمة بالنسبة لأي شخص ولا مكان له، مما يدفعه إلى الرغبة بالانفراد بنفسه أو البحث عن الاهتمام خارج نطاق الأسرة والتماسه من الغرباء.
أنواع سوء المعاملة
أشكال سوء المعاملة مع الأطفال تختلف كل الاختلاف عن أنواعها، ويمكن تلخيص أنواع الإساءة للأطفال في العناوين التالية:
1- النفسية المعنوية
يقصد بها إلحاق الأذى بالطفل على الصعيد النفسي بالقول أو الفعل، مثل تدليل أحد الأطفال الآخرين أمامه من أجل إغاظته أو حتى معاقبته على خطأ ارتكبه، كما يعد التحدث معه بصيغة التقليل والحط من الشأن تعد من أقسى أنواع الإساءة والإهانة.
2- الجسدية
يقصد بها التعدي على الطفل بالضرب وإلحاق الأذى البدني به، فإن الضرب يعد سلوكًا حيوانيًا بحتًا لا يليق بالإنسان الذي شرفه الله وكرمه وجعله خيفة له على الأرض، وهو تصرف ممقوت جدًا من الممكن أن يشوه الطفل أو يتسبب في حدوث عاهة جسدية له.
3- الجنسية
نعني بكلمة الإساءة الجنسية أولًا معايرة الفتاة لأنها فتاة أو الولد لأنه ذكرًا، فإن هناك بعض العائلات التي تفضل البنات على البنين أو العكس، مما يجعل الطفل كالمعاقب على جنسه الذي ولد به، والشعور بالنقص واحتقار الذات لمجرد أنه ولد وكان أبويه يريدان بنتًا، أو لأنها فتاة وكانت العائلة تنتظر قدوم صبيًا.
أما ثانيًا فيمكن اختصار الإهانة الجنسية هي تعرض الطفل إلى الاعتداء الجنسي أو التحرش الجسدي، كما تتمثل سوء المعاملة الجنسية في معايرة الطفل ذكرًا كان أم أنثى بشكل جسمه أو بدء بروز الأعضاء الجنسية فيه.
4- العرقية
توجد أكثر من سلالة من البشر مثل القوقازية والمنغولية والزنجية والهنود الحمر وغيرها، إلا أنهم وبالرغم من الاختلاف الخارجي في الشكل، فهم في النهاية يبقون جميعًا بشرًا من آدم وحواء ولا فرق بينهم، والإساءة للطفل هنا تتمثل في معايرته بأنه أسود البشرة أو أبيض اللون بشكل ملفت.
طبيعة النطاق المجتمعي والإساءة للطفل
لكي تتم حماية الطفل من سوء المعاملة يجب على الأهل أولًا تحديد النطاق المجتمعي الذي يتواجد به الطفل، لأن كل نطاق منهم يلزم له احتياطات خاصة ومعرفة أشمل، والنطاقات أو المساحات الاجتماعية التي يتعامل معها الطفل في هذا العمر غالبًا ما لا تتخطى الآتي:
- داخل المنزل: بمعنى بين الأب والأم والإخوة إن وجدوا وكذلك الأهل والأقارب.
- خارج المنزل: يقصد بها الخروج للتسوق أو للتنزه أو لزيارة أحد الأشخاص.
- المدرسة: بين أقران الطفل من الأطفال الآخرين وبين المعلمين والزملاء.
- الشارع: عند الخروج إلى الشارع للعب مع الأطفال أو لشراء الأغراض البسيطة للمنزل.
- النادي: عند الذهاب إلى التمرين أو للتنزه أو للقاء أحد الأشخاص أو الأصدقاء والتجمعات العائلية.
من خلال التعرف إلى كيفية حماية الطفل من سوء المعاملة، يجب على كل أب وأم بذل القدر المستطاع من الوقت والجهد من أجل حماية أبنائهم، فهم أمانة بين أيديهم سوف يسألهم الله عنها عندما يقفوا بين أيديه.