مقارنة بين المذهب العقلاني والمذهب التجريبي
مقارنة بين المذهب العقلاني والمذهب التجريبي توضح خصائص كل منهما في كسب المعرفة، فإن كلا المذهبين ينتميان إلى علم المعرفة، الذي ينطلق من الفلسفة، ولكن في الغالب يكون هناك فرق بين كل منهما، وهذا ما سوف نوضحه من خلال موقع البلد.
مقارنة بين المذهب العقلاني والمذهب التجريبي
يمكن القول إن كل من المذهبين يهتمان بطبيعة المعرفة، ومصادر المعرفة، وحدودها، ومن الجدير بالذكر أن التعرف على الفرق بينهما، أمر في غاية الأهمية بالنسبة للفلسفة، وفي الجدول التالي موجز للفرق بين كل من المذهب العقلاني والمذهب التجريبي:
المذهب العقلاني
المذهب التجريبي
يشير إلى أن كل المعارف التي يكتسبها الإنسان تعود إلى العقل، ويمكن الحصول عليها من خلال الحدس، والاستنتاج، أو الفطرة.
أما هذا المذهب فإنه لا يؤمن بأفكار العقلانية، ويشير إلى أن الإنسان لا يستطيع الحصول على المعرفة، إلا من خلال التجربة.
إن تلك المذاهب من الأسس التي تعتمد عليها العديد من النظريات الفلسفية، لذلك سوف نتعرف إلى كل منهما على حدا من خلال الفقرات التالية.
المذهب العقلاني
يتجه هذا المذهب إلى أن المصدر الأساسي للمعرفة هو العقل، حيث إن الحقيقة شيء منطقي، وينضح الفرق بين العقل والعقلانية، في أن العقلانية هي الفكر المنطلق من العقل.
يمكن القول إن هذا المذهب لديه نزاعًا مع الكثير من المذاهب اللاعقلانية، والتي تميل إلى الوجودية، والبيولوجية، وإن هذا المذهب ينطلق من خلال ثلاثة نظريات وتتمثل تلك النظريات في الفقرات الآتية:
1- نظرية الحدس والاستنباط
تشير تلك النظرية إلى أن كل القضايا التي تحكم بها في مجال ما لا تأتي إلا من خلال الحدس، وباقي الأشياء تكون استنتاجات.
فإن الحدس هو منطلق من الإدراك العقلي بصورة مباشرة، فإن الإنسان عندما يدرس أمرًا ما بعقله، فإنه يراه بكل صدق.
أما الاستنتاج فهو نتيجة مستخرجة من الحدس، بالاستناد إلى بعض الحجج السليمة، فعلى سبيل المثال: نحن نحدس أن 3 رقم أولي، ونحدث أنه أكبر من رقم 2، فنستنتج من ذلك، أن هناك رقم أولى أكبر من رقم 2.
فانطلاقًا من ذلك، يمكن القول إن الحدث والاستنباط يعطينا معلومات، لا يمكن الحصول عليها بالتجربة، أو معالجة الحواس.
2- نظرية المعرفة الفطرية
يرى أصحاب هذه النظرية أن الناس مفطرون على المعرفة بالعديد من القضايا، في مختلف المجالات، وتلك النظرية تؤول بوجود المعرفة القبلية، أي المعرفة المحصلة بدون تجربة.
لكن ما يختلف في تلك النظرة عن التي سبقتها، هي طريقة الحصول على المعرفة، حيث إن النظرية السابقة كانت تشير إلى أن المعرفة تأتي من الحدس، وما يتلوه من استنتاج.
أما نظرية المعرفة الفطرية، فيرجع أصلها إلى الفطرة العقلية للإنسان، فتشير إلى أن المعرفة لا يتم الحصول عليها بالحواس، أو بالحدس، إنما هي موجودة بداخلنا بصورة فطرية تلقائية.
فأضاف أصحاب هذه النظرية المنطلقة من المذهب العقلاني، أنه يمكن أن تنبهنا التجارب إلى المعرفة، ولكنها ليست هي مصدرها، بل إنها موجودة فينا منذ أن خلقنا الله.
أشار بعض أنصار تلك النظرية إلى أننا اكتسبنا تلك المعرفة من الوجود السابق لهذا الوجود، والبعض الآخر يشير إلى أن الله هو من وضعها فينا، والبعض يميل إلى أنها وجدت فينا من خلال الاصطفاء الطبيعي.
3- نظرية الأفكار الفطرية
في سياق التعرف إلى مقارنة بين المذهب العقلاني والمذهب التجريبي، فمن الجدير بالذكر أن تلك النظرية المنطلقة من المذهب العقلاني تؤول إلى أن الإنسان منذ أن ولد، يحتكم على بعض الأفكار التي تدفعه للسير على خطاها في مجال ما، وذلك عندما يعالج فطرته العقلية.
فبحسب رأي تلك النظرية، إننا نملك الكثير من الأفكار التي لم نكتسبها من خلال التجربة، أو من خلال معالجة الحواس، ولكنها جزء منا منذ أن ولدنا، ودور التجربة يقتصر على أنها توقظ تلك الأفكار التي بداخلنا، أما وجودها، فليس للتجربة دور فيه.
كما أن هناك من يؤمن بأن نظرية الأفكار الفكرية تابعة لنظرية المعرفة الفطرية، واعتبروها ناتجة عنها، وأن أي قضية لا يمكن اعتبارها فطرية، إلا في حالة إن كان هناك أمور فكرية تديرها، فهذا ما كان يميل إليه جان لوك.
يمكن القول إن الفكرة (فطرية)، إذا كانت بعيدة كل البعد عن التجربة، فعلى سبيل المثال: مفهوم المثلث، والألم، فإننا لا نخوض مشاهدة المثلث بدقة، على قدر ما نشعر بالألم، ونجربه.
المذهب التجريبي
في إطار التعرف إلى مقارنة بين المذهب العقلاني والمذهب التجريبي، إن الأشخاص الذين يتبعون المذهب التجريبي يقرون بأن كل المفاهيم التي يحملها الإنسان مكتسبة عن طريق التجربة، وليس من خلال الفطرة الإنسانية، ويرفض ما يؤمن به أصحاب مذهب العقلانية وهو الاستنتاج، والحدس، والمعرفة الفطرية.
فإن هذا المذهب يؤمن بأن الحدس هو المصدر الوحيد الذي يحصل فيه الإنسان المعرفة، وتكون الأفكار، وأشاروا إلى أن أصحاب المذهب العقلاني ضللوا الحقيقة، عندما أقروا بأن الإنسان لا يحصل على المعرفة من خلال التجربة.
لكن بالبحث أثبت العلماء والمتخصصون أن الإنسان يمكنه أن يكسب المعرفة بالعقل، والتجربة، فيمكنه أن يحصل المعرفة بالتجربة في مجال معين، ويحصلها بالعقل في مجال آخر.
هذا على عكس ما ساد قديمًا في تاريخ الفلسفة، عن أنه من يكون عقلانيًا لا يكون تجريبي، ومن يكون تجريبيًا لا يستطيع أن يكون عقلاني، فكان كل من المذهبين مخالف لبعضهما البعض.
لكن كل من ديكارت، وسبينوزا من العقلانيين، وكذلك جون لوك، وبركلي من التجريبيين، حذروا من هذا التصنيف العام، حيث إن مواقف الفلاسفة تكون معقدة ودقيقة أكثر من ذلك.
فإن الساحة الفلسفية تعاصر حوار مهم، وله ثقل، يطلق عليه (المذهب العقلاني، والمذهب التجريبي وجهًا لوجه)، حيث إن المذهبين يتجهان إلى نفس المجال.
أنواع التجريبية
في سياق ذكر مقارنة بين المذهب العقلاني والمذهب التجريبي، فمن الضروري معرفة أن المذهب التجريبي له أكثر من نوع، وتتمثل أنواعه فيما يلي:
1- التجريبية الكلاسيكية
تشير إلى أنه لا وجود للمعرفة الفطرية، ويؤكد أنصار هذا المذهب إلى أن الإنسان يولد وعقله مثل الصفحة البيضاء، وإن معرفته تكتسب نتيجة التجربة.
2- التجربة الراديكالية
يميل أنصار هذا النوع إلى أن الإنسان يتعرف إلى العالم الخارجي بالاعتماد على الحواس فقط، ويؤكدون على أنه إذا لم يختبر الإنسان الأشياء بحواسه فإنه لن يكون لها وجود، وهم لا يؤمنون بالأمور الدينية، لأنهم لا يستطيعون معالجتها بالحواس.
3- التجريبية المعتدلة
يميل أصحاب هذا النوع من التجريبية إلى أن أساس المعرفة هي تقليد الأشياء، وتجربتها، فعلى سبيل المثال: إن الطفل لا يكون قادر على اكتساب المعرفة، إلا من خلال التقليد للأشخاص الأكبر منه سنًا.
المذهب العقلاني والمذهب التجريبي وجهًا لوجه
في سياق عرض مقارنة بين المذهب العقلاني والمذهب التجريبي، فمن الجدير بالذكر أن كل من المذهبين أصبح الحوار بينهما أكثر جاذبًا للانتباه.
فإنه عندما يتعلق الأمر ببعض قضايا العالم الخارجي، يميل أصحاب المذهب العقلاني إلى أن هذه القضايا قبلية، لا بد من عزلها عن التجربة.
كما أن تلك الأفكار التي تتألف منها القضايا من الضروري أن تكون فطرية، كما يرى أن المعرفة المكتسبة منها تتفوق على تلك التي تم أخذها بالتجربة، والحواس.
أما الاتجاه التجريبي فإنه يرى أنه لا مفر من اكتساب المعرفة إلا بواسطة صنارة التجربة، ويشير إلى أن العقل هو فقط من يربط بين تلك الأفكار الحاصلة.
إن كل من المذهب العقلاني والمذهب التجريبي له تعريفه، وخصائصه المميزة التي لا بد من التعرف إليها في حالة أنك كنت مهتم بالفلسفة، وبعد أن اطلعت على كل منهما، فإلى أي من هذين المذهبين تتجه؟