الزواج من رجل في السبعين
الزواج من رجل في السبعين هي قضية شائكة تدور حولها العديد من القضايا الأخرى والتي تحتوي في طياتها على كثير من الأمور منها الظاهر ومنها الباطن، والتي تتردد ما بين مؤيد ومعارض، موافق ومبرر، رافض ومبرهن، ولكل من تلك الوجهات أسبابه الخاصة والتي تعد جميعها صحيحة، مما يدفعنا اليوم إلى تناول تلك المسألة من خلال موقع البلد.
الزواج من رجل في السبعين
الزواج بشكل عام هو سنة الله في الأرض التي سخرها للعباد وللقدرة على الاستمرارية والحياة، وذلك منذ بدء الخلق فقد خلق الله حواء من ضلع سيدنا آدم حتى تكون له زوجة ورفيقة وعون وونيس، وكثير من المعاني والأدوار.
كما كلف الله سيدنا آدم بالعناية بها وحفظها وحمايتها وسد حاجتها وكونه الأمان والولي عليها وعلى متطلباتها، فجعل الله تلك العلاقة الشريفة تحقيقًا إلى كثير من الأهداف والحكم وسنها في الأرض على أساس عدد من الاعتبارات التي ينبغي مراعاتها وإنشاء تلك العلاقة على أساسها وإلا بطلت أهدافها والمعنى الحقيقي والجوهري من ورائها.
لذا قبل النظر في العمر والفارق والشكل والمادة وما غيرها من العوامل التي يعتبرها الناس في العلاقات، لا بد وأن ندرك المعنى الحقيقي للزواج والقيمة من ورائه، ومقارنة الهدف منه في الواقع مع الهدف المطلوب منه في الحقيقة.
أهداف الزواج
أول محور من محاور موضوع الزواج من رجل في السبعين هو التعرف على الأهداف التي ينبغي تحققها لكلا الطرفين من علاقة الزواج، وعلى الرغم من أنها كثيرة ومتعددة، إلا أننا سنحاول حصرها في عدة مركزيات بناءً على ما أرشدنا الله عز وجل له، والتي نتناول بعض منها من خلال الآتي:
1- طاعة الله عز وجل
من أولى وأهم الأسباب التي على الزوجين مراعاتها هي تحقيق القيمة العظمى من تلك العلاقة وهي عبادة الله عز وجل، حيث إن هذا هو الهدف من خلق البشر أصلًا والذي يظل يسعى الإنسان له ويسخر لنفسه السبل في تحقيقه من خلال خياراته في الحياة والتي من أهمها اختيار الزوج الصالح الذي يعين على ذلك.
هذا هو الهدف الأسمى إذن والذي على أساسه يقوم أي من الطرفين تقرير الزواج وقبوله أو رفضه، وبمجرد تحقق الظروف والشروط التي تؤدي إلى هذا الهدف يصبح القرار بالإيجاب مفروغ منه.
2- عفة النفس والجسد
من أهم مقاصد الزواج التي شرعها الله لها، هي عفة النفس والجسد والارتقاء بهما من الحالة الحيوانية والشهوانية إلى درجة من الشرف والعفة والتي يمكن من خلالها ممارسة وتصريف الميل الفطري لكل من الزوجة والزوج، مما يعين المرأة على صون نفسها هو الزواج من رجل قادر على سد حاجاتها النفسية والجسدية.
هنا يجب الالتفات إلى أمر هام للغاية بصدد مسألتنا الزواج من رجل في السبعين، وهي هل الحالة الماثلة أمام تلك المرأة المقبلة على الزواج هو رجل قادر بالفعل على تحقيق هذا المقصد من سد تلك الحاجات والمتطلبات النفسية والجسدية لها أم لا، مما يترتب عليه القبول أو الرفض.
3- الزواج سترة
تعد من الأهداف الهامة للزواج وخاصة للمرأة هي السترة، بمعنى أنها تعد ضمان لها في الحياة، والتي من سنتها الموت فلا يمكن للمرأة أن تعيش في كنف والديها للأبد، كما أنه من المخالف لفطرتها أن تظل تعول نفسها، فهي لديها ميل بالفطرة للعيش في كنف رجل مسؤول عنها وعن تحقيق متطلباتها الأساسية في الحياة من مأكل وملبس ومشرب إلخ..
كما أن للأسف هناك العديد من الظنون والمعتقدات الخاطئة التي تسيطر على بعض المجتمعات حول المرأة العزباء، وعلى الرغم من أنها ليست مبرر يدفعها للزواج على الإطلاق فضلًا عن الزواج من رجل في السبعين، إلا أنها درب من دروب الستر واتقاء الشبهات في حال كان المتقدم مناسب وفقًا إلى المعايير الأساسية الأخرى.
4- تكوين الأسرة
واحدة من أهم الدوافع الإنسانية التي يرغب المرء في تحقيقها وضمانها لنفسه من خلال الزواج هي القدرة على إنشاء أسرة دافئة وصالحة، وخاصة بالنسبة للمرأة في فطرتها التي تولد بها وميلها الطبيعي الغريزي للأمومة، مما يجعله هدف مباشر وأساسي من الزواج.
حتى تتمكن من إنجاب الأطفال والعناية بهم وتربيتهم وتوريثهم المعاني الطيبة التي تجعلهم امتدادًا مشرفًا لها وكذلك للزوج بالطبع والذي يخدم جانب فطري آخر وهو الرغبة في البقاء والاستمرارية في الحياة ولو كان من خلال امتداد الأبناء.
عند الربط إذن بين هذا الهدف وقضية الزواج من رجل في السبعين وهل يخدم هذا الزواج ذلك الهدف، نجد أن الأمر يتوقف على الحيثيات الواقعة للموقف نفسه والرجل الذي بصدده تلك السيدة، فهل هو رجل قادر على تحقيق هذا المعنى أم غير ذلك، كما أن مدى أهمية تحقيق هذا الهدف بالنسبة للمرأة له دور في تحديد القبول أم الرفض كذلك.
5- تعزيز القيمة الذاتية
قد يُساء فهم هذا الهدف بحد كبير إثر العديد من التشوهات الفكرية التي تشوب مجتمعاتنا، ولكن بالنسبة للعقول المتبينة للحقيقة والمميزة للفطرة تجد هذا الهدف قريب منها وجلي، فكثيرًا ما تتعرض المرأة إلى عوامل تقودها إلى إهلاك نفسها في البحث عن ذاتها من خلال وسائل عدة في محاولة لإيجاد القيمة الحقيقة لها.
الحقيقة أن جزء كبير من شعور المرأة بذاتها وقيمتها في الحياة يكمن في تكوين أسرة ناجحة أولًا في علاقة متفهمة وواعية مع الزوج وكونها سببًا في نجاحه ودعمه ومساندته في مواجهة الصعاب ومشاق الحياة والذي يدفع الزوج إلى مزيد من النجاح ودافع للاستمرارية.
ثم علاقة تربوية وأمومة صالحة مع الأبناء، كما القدرة على تكوين جيل وعناصر إنسانية حقيقية وتشكيل شخصياتهم والنجاح في إنشاء أشخاص سويّن رائعين نتيجة جهودها والتي تبرز دورها ومكانتها كامرأة ذات قيمة فعلية في نظر نفسها أولًا وزوجها وأبنائها ثم المجتمع.
عوامل قبول الزواج من كبار السن
تناولنا فيما سبق أهم وأبرز الأهداف التي ينبغي أن تقوم عليها علاقة الزواج، وعلى أساسها نقوم بتوضيح العوامل والأسباب التي يجب أن تكون الدافع في قبول الزواج من رجل في السبعين في حال تحققها، وهي على النحو التالي:
- أن يكون الرجل في صحة جيدة تسمح له بالقيام على بيت وأسرة.
- أن يكون الرجل ما زال قادرًا على سد الحاجات المادية والنفسية للمرأة (مقتدر ماليًا وجسديًا).
- وجود فرصة في الإنجاب وضمانات تكفل سد حاجات الأبناء فيما بعد.
- يجب أن يكون معينًا للزوجة في علاقتها مع ربها أي يلزم صلاح الزوج حتى تصلح الرعية من زوجة وأبناء.
- القبول النفسي والمعنوي للرجل بالنسبة للمرأة.
محاذير حول الزواج من مسن
من الهام جدًا أن تكون المرأة المقبلة على الزواج من رجل في السبعين واعية وعاقلة، لا تهلك نفسها في مثل تلك العلاقة تحت الضغط أو بعض الدوافع السلبية والخاطئة التي يمكنها أن تدمر حياتها وتتعسها بشكل كبير، والتي يتمثل بعض منها في الآتي:
- الزواج بدافع المادة، في حال كان المسن غنيًا، وبرغبة في ضمان المستقبل أو الطمع في المال.
- الزواج نتيجة الخوف من المجتمع، أو ضغط من الأهل.
- الزواج نتيجة الشفقة.
- الزواج نتيجة اليأس أو التخلي عن الذات.
علاقة الزواج في الإسلام
تناول الدين الإسلامي تلك العلاقة العظيمة والتي هي بنية المجتمع، وهو ما نوضحه من خلال الآيات القرآنية والتي تكشف لنا عن جوهر تلك العلاقة والقيمة من ورائها، وبالتالي تجعل العقل واعٍ ومتفتح ومهيئ لاتخاذ قرارات صحيحة في مختلف المواقف والتي منها الزواج من رجل في السبعين، ونص الآيات كما يلي:
قال تعالى:
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
تشير الآية القرآنية إلى أن الشاكلة التي خلق الله عليها البشر هي الزوجية، مما يدل على أنها الفطرة والسنة في الحياة، وتوضح لنا الآية أن الحكمة من ذلك هو تحقيق السكن في أن يسكن كل زوج إلى زوجه، على أساس هام وجوهري لتلك العلاقة من المشاعر وهي المودة والرحمة.
قال تعالى:
{وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا} [النبأ: 8].
تؤكد الآية الكريمة هنا على نفس المعنى للآية السابقة وهو خلق الله لكافة المخلوقات الحية على أساس فكرة التزاوج، مما يدل على أنه المآل الطبيعي لكل رجل وامرأة.
من أهم المعاني التي ترتبط بموضوعنا الزواج من رجل في السبعين، هو الاستدلال عليه من قلب الواقع الإسلامي لحياة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو زواج النبي نفسه من السيدة خديجة رضي الله عنها والتي تكبر بأعوام عدة، وقيل إنها تقدر بخمسة عشر عام.
كما زواج السيدة عائشة رضي الله عنها من الرسول صلى الله عليه وسلم والذي كان يكبرها بكثير من الأعوام وفيها خلاف ولكن الحكمة أن العمر لم يكن عائقًا في أي من الزيجتين بتحقيق جوهرها ونشوء الحب الحقيقي والأسمى في كل منهما.
الزواج من رجل في السبعين يحتاج إلى إلمام بكثير من الأمور والحيثيات أولًا ومن ثم على أساسها تحدد المرأة القرار الأصوب من وجهة نظرها والظروف الواقعة من حولها والذي يحقق لها الصالح بإذن الله.