ما حكم معاشرة الزوجة بعد الطلقة الثالثة، سؤال يرغب الكثير من المسلمين في التعرف على إجابةٍ موثوقة له، فالطلاق ليس أمرا هيناً وهدم البيوت والأسر يضر بجميع أفرادها فهو يدمر حياة الزوجين ويشتت أبناءهما.
وكثيراً ما يتسرع الزوج في نطق كلمة الطلاق أو ربما تتسرع الزوجة في طلبه وتلح على زوجها به، وبعد وقوعه يندم جميع الأطراف، ويرغبون بعودة حياتهم كما كانت، فتابع فيما يلي عبر موقع البلد لتعرف ما حكم معاشرة الزوجة بعد الطلقة الثالثة بالتفصيل.
ما حكم معاشرة الزوجة بعد الطلقة الثالثة
لعلك تتساءل يا عزيزي عن حكم معاشرة الزوج لزوجته بعد وقوع الطلقة الثالثة، فالطلاق أصبح ظاهرة شرسة تهدد الكثير من البيوت وتزعزع استقرارها، وأصبح نطق لفظة الطلاق سهلاً على الكثير من الرجال، فتنتهي مشكلة زوجية عابرة بوقوع الطلاق، وتتبعها مشكلة أخرى يتسرع فيها الزوج ويقول لزوجته بكل بساطة أنت طالق، وفي مشكلة أخرى يجد الزوج لسانه قد نطق هذه الكلمة التي قد اعتاد قولها لزوجته.
ثم يندم الزوجين على ذلك ويرغبان في استمرار حياتهما الزوجية من جديد، فأطفالهما أصبحا مهددين بالتشتت بينهما، فيتساءلان ما حكم معاشرة الزوجة بعد الطلقة الثالثة، ولكن للأسف الشديد قد حرم الله تعالى المعاشرة بين الزوجين بعد وقوع الطلقة الثالثة، إلا بعد أن تتزوج المرأة من رجل آخر تأديباً لهما على استهتارهما بأمر الطلاق.
ويشترط في زواجها بغيره أن يكون بقصد الاستقرار ورغبةً في استمرار حياتها الزوجية معه، ويحرم أن تتزوج من غيره بقصد تحليل زواجها منه ورغبة في الانفصال عن زوجها بعد فترة لتعود لمطلقها.
أما في حالة وفاة زوجها الثاني أو طلاقها منه يجوز لها أن تتزوج بزوجها السابق مرة أخرى، فإذا عاشرها دون زواجها من غيره كانت علاقته بها علاقة زنا وتسببت في غضب الله تعالى عليهم لانتهاك حرماته.
لذا جعل الله تعالى أمر الطلاق في يد الزوج لكي يكون أميناً على هذه العلاقة المقدسة، ولا يصح أبدا أن ينطق لفظ الطلاق تسرعاً واستهتاراً منه بهذا الأمر، وإنما ينطق بالطلاق بعد تفكير طويل واتفاق مع زوجته إذا استحالت العشرة بينهما.
الفرق بين الطلاق البائن والطلاق الرجعي
فهناك نوعين من الطلاق يختلف حكم كل منهما عن الآخر، فتابعنا عزيزي لتتعرف على أنواع الطلاق وحكم كل منهما كما حدده الشرع، مصحوباً بالأدلة:
الطلاق الرجعي
يكون بعد الطلقتين الأولى والثانية ويحق للزوج في هذه الحالة أن يراجع زوجته ويعيدها إلى عصمته مرة أخرى بدون استئذانها أو استئذان وليها في ذلك، فهي مازالت زوجته رغم وقوع الطلاق ولا يحق لها أن تتزوج بغيره ما دامت في فترة العدة.
فإذا رغب في مراجعتها بعد انتهاء فترة العدة ومغادرتها منزل الزوجية، تقدم لخطبتها فإذا قبلت زواجه تزوجها بعقد ومهر جديدين، والدليل الشرعي على ضرورة بقاء المرأة في بيتها بعد الطلاق الرجعي حتى انتهاء فترة العدة هو:
قول الله تعالى في كتابه العزيز تحديدا في سورة الطلاق حيث قال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً» “آية 1 سورة الطلاق”.
والدليل الثاني على بقاء المرأة في بيت زوجها بعد الطلاق الرجعي مادامت في فترة العدة، هو ما ورد عن ابن كثير رحمه الله تعالى، حيث يقول ابن كثير في تفسير الآية التي قدمناها لكم سلفًا:
«أي إنما أبقينا المطلقة في منزل الزوج في مدة العدة لعل الزوج يندم على طلاقها ويخلق الله تعالى في قلبه رجعتها، فيكون ذلك أيسر وأسهل».
الطلاق البائن
ويقصد به عدم قدرة الزوج على إرجاع زوجته إلى عصمته إلا بعدة شروط، وتصبح في هذه الحالة محرمة عليه ولا يحق له أن يرى منها سوى الوجه والكفين، ولا يجوز له الخلوة بها بأي شكل من الأشكال حتى لو كانت كبيرة في السن ولم تخشى الفتنة، فهو رجل أجنبي ولا يجوز الخلوة معه، وينقسم الطلاق البائن إلى نوعين وهما:
أولا: الطلاق البائن بينونة صغرى
وهو يقع في حالة طلاق الزوج لزوجته وانتهاء فترة العدة دون مراجعتها، وفي هذه الحالة تبين منه الزوجة بينونة صغرى وتصبح أجنبية عنه ومحرمة عليه وعليها مغادرة المنزل في هذه الحالة، لأنه لا يجوز لها أن تختلي به، إلا بعد أن يطلب الزواج منها مرة أخرى بموافقتها بعقد ومهر جديدين.
ثانيا: الطلاق البائن بينونة كبرى
وهو يتمثل في هذه الحالة التي نناقشها في مقالنا، أي أنه يحدث في حالة طلاق الزوج لزوجته في المرة الثالثة، فتكون قد بانت منه بينونة كبرى ولا يستطيع أن يعيدها لعصمته حتى لو كانت في فترة العدة، إلا بعد زواجها برجل غيره، ولا يجوز له معاشرتها مطلقاً بعد نطقه للفظة الطلاق، ولا يجوز لها أن تمكث معه في بيت واحد وتختلي به، وإذا عاشرها في هذه الحالة اعتبر ذلك زنا والعياذ بالله.
والدليل على ذلك قول الله تعالى في كتابه العزيز تحديداً في سورة البقرة، يقول الله تعالى: «فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» “آية 230 سورة البقرة”.
ويشترط في زواج الزوجة برجل آخر أن يكون زواجاً حقيقياً، أي أن يدخل عليها زوجها ويجامعها كما يجامع الرجل أهله، وأن لا يكون هناك نية أو اتفاق معه للطلاق عند زواجه منها، والدليل على ذلك:
ما ورد عن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها، أن عمرَو بنَ حزمٍ طلَّقَ الغَمِيصَاءَ، فنكَحَها رجلٌ، فطلَّقَها قبلَ أن يَمَسَّها ، فسأَلَتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: لا، حتى يذوقَ الآخرُ عسيلتَها وتَذُوقَ عُسَيْلَتَه.
ويقصد بالعسيلة هنا أن يحدث بينهما جماعاً حقيقياً فتذوق لذة جماعه ويذوق لذة جماعها.
ولا يجوز أن يكون زواجها برجل آخر بقصد تحليل زواجها من مطلقها مرة أخرى، فهذا هو زواج المحلل الذي حرمه الله تعالى حيث:
قال صلى الله عليه وسلم: “لعَنَ اللهُ المُحلِّلَ والمُحلَّلَ له”، أخرَجَه ابنُ ماجَه عن عُقبةَ بنِ عامِرٍ.
وختاماً نكون قد عرفنا سوياً ما حكم معاشرة الزوجة بعد الطلقة الثالثة، وبالطبع قد عرفنا أن الشرع قد حرم ذلك واعتبره زنا صريح وهتك لحرمات الله، فالمرأة بعد وقوع الطلقة الثالثة تصبح أجنبية عن زوجها، ولا يجوز له معاشرتها أو الخلوة بها لأي سبب من الأسباب، ولا يرى منها إلا وجهها وكفيها، ولا يجوز له الزواج منها إلا إذا تزوجت رجلا غيره.