تعريف الحضارة لغة واصطلاحًا
تعريف الحضارة لغة واصطلاحًا يعد من الأمور الأكثر ترددًا والأكثر تضاربًا في آن واحد، فكل واحد من علماء أي لغة قام بوضع تعريف خاص به للحضارة من وجهة نظره هو فقط.
في النهاية تم الاتفاق على أن تعريف الحضارة لغة واصطلاحًا يمكن أن يلخص في تعريف واحد ولكنه شامل، وسوف نتعرف إليه جملةً وتفصيلًا من خلال هذا الموضوع عبر موقع البلد.
تعريف الحضارة لغة واصطلاحًا
إن تعريف الحضارة لغة واصطلاحًا يختلف من شعب لآخر وفقًا لتاريخ أمته، ولكن في المنطلق العام يتم تعريف الحضارة من الناحية اللغوية ومن الناحية الاصطلاحية كل منهم على حدا على النحو التالي:
تعريف الحضارة لغويًا
في إطار معرفة تعريف الحضارة لغةً واصطلاحًا، نختص هنا بتعريف الحضار في اللغة، حيث إن لفظة الحضارة تم اشتقاقها من الفعل حضر، والحضارة هي التضاد لكلمة البداوة أو البدائية والتي يعيش فيها الناس طبيعة الحياة القبلية، حيث إن منهج هؤلاء الناس في الحياة هو التنقل من مكان لآخر وذلك على عكس الحياة الحضرية أو المدنية التي تتمتع بالاستقرار.
حيث إن الحضارة تمكن البشر من ممارسة حرف كثيرة ونشاطات حضرية مختلفة على رأسها الزراعة، كما أن أصحاب الحياة الحضرية يقيمون في المدن الثابتة.
تعريف الحضارة اصطلاحيًا
ما زلنا في سياق ذكر تعريف الحضارة لغة واصطلاحًا، لكننا الآن سنختص بتعريف الحضارة في الاصطلاح، حيث إن تعريف الحضارة من الناحية الاصطلاحية: هو أنها مجموعة من مظاهر الحياة الفنية والأدبية والعلمية والاجتماعية التي تمتزج معًا في المجتمع، وطبيعة الحضارات الإنسانية جميعًا ترتكز على اعتماد كل منها على الآخر.
بمعنى أن لكل حضارة بادئة فضل على كل حضارة ناشئة، لأن تلك الحضارات التي وَلَّت ساهمت بشكل أو بآخر في قيام البناء الحضاري الإنساني القائم في العالم بأسره.
على سبيل المثال وليس الحصر كان للحضارة الإغريقية فضل كبير على جميع الحضارات التي قامت بعد سقوطها، وذلك لكونها بجانب بعض الحضارات القديمة التي شهدتها الحضارة الإغريقية كانت السبب في وضع حجر الأساس للبناء الحضاري، وبعد ذلك أتت الحضارة الإسلامية لكي تثري هذا البناء الحضاري الإنساني وتساعد في ازدهاره، ثم أتى بعد المسلمين بعض الأوربيين الذين ساهموا كثيرًا في علو هذا البنيان.
سمات الحضارة
عند قيامنا بتقديم تعريف الحضارة لغة واصطلاحًا علينا في إطار ذلك أن نذكر بعض السمات أو الصفات التي تتمتع بها أي حضارة على وجه الأرض، ومن أبرز هذه السمات:
- إن الحضارة تتغير بمعدل تدريجي وليس دفعة واحدة.
- إن الحضارة تصنف إنسانية بمعنى أنها تختص بالإنسان وحده دون غيره من الكائنات الأخرى، وتعد هذه السمة هي العامل المشترك أو حلقة الوصل التي تجمع فيما بين الحضارات جميعًا بالرغم من اختلافها من حيث المضمون.
- إن الحضارة توجد وتترسخ في عقل الإنسان وطريقة تفكيره، وهذا ما يجعله مدركًا حقيقة أن معرفة ماضيه ترتبط ارتباطًا وثيقًا بما يعيشه في الحاضر.
- إن الحضارة تتميز بالتجدد المستمر وهي مرنة أي قابلة لاستيعاب صفات الحضارات أو الأمم الأخرى.
خصائص الحضارة
بالرغم من اختلاف تعريف الحضارة لغة واصطلاحًا ومضمونًا، إلى أن هناك بعض الخصائص التي يجب أن تتمتع بها كل حضارة بالرغم من اختلافها، وتلك الخصائص تتمثل في:
1ـ الآثار
إن أي حضارة نشأت على سطح الأرض اهتمت اهتمامًا كبيرًا بالحفاظ على أنماطها الفنية والتراث التاريخي الخاص بها، وذلك من خلال قيامها ببناء معالم حضارية أثرية وهياكل ضخمة تدل عليها وتحفظ أثر تواجدها، فما زال قائمًا حتى الآن الكثير من المباني والمنشآت الأثرية التي ترجع إلى قرون عدة.
2ـ المناطق الحضرية
إن الأماكن أو المدن الكبيرة المتكدسة بالسكان تساهم بنسبة كبيرة في تطور الحضارة وانتشارها، وبالرغم من أن سكان المناطق الريفية يعيشون بعيدًا عن تلك المناطق الحضرية إلا أنهم يعتبرون جزءًا لا يتجزأ من التطور الحضاري القائم في هذه المناطق، وذلك لأنهم المورّد الأول للصيادين والمزارعين والتجار الريفيين المهرة، وكل هؤلاء يقدمون خدمات جليلة من خلال بيعهم للسلع الخاصة بهم لأهل المدن الحضرية المختلفة.
3ـ البنية التحتية والإدارة
إن الإدارة الحكومية تلعب دورًا هامًا وفعالًا في تطور الحضارة، والمثال الأبرز على ذلك هو الحضارة الرومانية القديمة، وذلك لأنها ركزت على استخدام نظام أكثر فاعلية يشتمل على الكثير والكثير من الأساليب والاستراتيجيات من أجل إدارة حكومتها بطريقة صحيحة وتأسيس وتحسين البنية التحتية الخاصة بها.
مثال على ذلك أن أنشأت السلطات الرومانية شبكة طرق واسعة النطاق نجحت من خلالها في الربط بين جميع المناطق، وخاصةً تلك المناطق النائية البعيدة، كما عملت على بناء قنوات مائية لكي تمد جميع المدن بالماء العذب مما رقّى من وضع الصرف الصحي ونظافة المدن، كما عمدت إلى استخدام اللغة اللاتينية، واهتمت بنشرها في شتى المناطق مما كان له أثر عميق في تسهيل عملية التواصل الحضاري بين العاصمة والمدن النائية الأخرى.
4ـ التواصل المشترك
إن كل الحضارات يجمع بينهما عامل مشترك ثابت وهو طرق التواصل، وتلك الطرق أو الوسائل التي يتم التواصل من خلالها تتمثل في اللغة الصوتية المنطوقة والأنظمة الرقمية، بالإضافة إلى الحروف الهجائية والإشارات والرموز والأفكار والتمثيل وغيرها، كما أن وسائل التواصل المشتركة تلك تساعد كثيرًا على تطوير البنية التحتية، وتطور التكنولوجيا والعمل على تسهيل حركة التجارة والتبادل الثقافي بينها وبين الحضارات الأخرى.
5ـ الهيكل الحضاري
تعمل الحضارة بطبيعة الحال على تقسيم نوعية البشر إلى طبقات اقتصادية، وذلك يتم وفق دخلهم المادي ونوعية أو طبيعة عملهم، وغالبًا ما تشمل طبقة الأثرياء والتي تكون قمة الهرم الاجتماعي ثم يأتي بعدها الطبقة المتوسطة وفي النهاية في قاعدة الهرم نجد الطبقة الفقيرة أو طبقة محدودي الدخل.
6ـ تقسيم العمل
تعمل الحضارة على تقسيم العمل بطريقة معقدة حيث تعين على كل فرد من أفرادها أن يقوم ببعض المهام المتخصصة، ففي الحال الذي يقتصر فيه عمل سكان الريف أو سكان المجتمعات الزراعية على قيامهم بالأعمال الخاصة بهم بمفردهم من توفير للمأكل والملبس والمشرب، يلجأ سكان الحضر إلى الاستعانة بأشخاص آخرين لتوفير الطعام لأنفسهم وآخرون لتوفير المسكن والملبس وغيرها من الاحتياجات الأساسية الأخرى.
7ـ الخصائص الثانوية
إن أي حضارة في الدنيا تتمتع ببعض الخصائص الثانوية مثل قيامها بإنشاء مبانٍ تتميز بالضخامة، وعملها على تطوير وتجديد العلوم والأنشطة والمجالات الفنية المختلفة، بالإضافة إلى استخدامها نظامًا معينًا للكتابة بجانب حيازتها لشبكات ذات نطاق واسع.
عناصر قيام الحضارة
يستلزم قيام أي حضارة في الدنيا توافر بعض العناصر أو المقومات الرئيسية التي تعد بمثابة الدعائم الأساسية لقيام الحضارة الإنسانية، وتلك العناصر تتمثل في:
- الدين أو المعتقد.
- المجتمع الحضاري.
- التربية والنقد.
- الإنتاج الاقتصادي.
- وسائل الترفيه.
- طبقات المجتمع المختلفة.
- الأدب والمؤلفات.
- الحكومة.
شروط قيام الحضارة
بعد أن تعرفنا إلى تعريف الحضارة لغة واصطلاحًا، لا بد من معرفة شروط قيام الحضارة، حيث إن قيام الحضارات لا يتم بشكل عشوائي أو بمحض الصدفة بل يلزم لبناء وإقامة أي حضارة توافر بعض الشروط لكي يتم ذلك، وتلك الشروط تتمثل في:
- التعاون: وذلك لأن استقرار الإنسان في مكان معين يستلزم وجود التعاون فيما بينه وبينه الآخرين ممن يقيمون معه في نفس المكان، وذلك بهدف نجاح هؤلاء جميعًا في تأمين مصادر الغذاء وحماية أنفسهم ضد أي خطر أو عدوان قد يتعرضون له.
- الاستقرار: فقيام الحضارة وتطورها يعتمد في المقام الأول على وجود مكان ثابت لأن الحضارة تتمتع في الأساس بالاستقرار، ولعل مظهر الاستقرار هو أهم المظاهر على الإطلاق التي يتم من خلالها الفصل فيما بين الحياة الحضرية والحياة القبلية.
- الكتابة: والتي اخترعها الإنسان منذ البداية بهدف الاتصال مع غيره من الناس، وتكمن أهمية الكتابة في حفظها لكل ما يعمله الإنسان وينجزه، مما يساهم في نقل دوره الفعال وفنه وإبداعاته واختراعاته وتجاربه وأقواله للأمم أو الأجيال والحضارات التي ستأتي من بعده.
نظريات قيام الحضارة
في ظل حديثنا عن تعريف الحضارة لغةً واصطلاحًا، نوضح لكم نظريات قيام الحضارة المختلفة، حيث وضع الفلاسفة والمؤرخون من مختلف العصور الكثير من النظريات والآراء الشخصية، والتي تم اعتمادها فيما بعد حول قيام الحضارات الإنسانية المختلفة، ويعد ما يلي هو أفضل وأشهر نظريات نشأة الحضارات على الإطلاق:
1ـ نظرية شبينجلير
من خلال كتاب انحلال الغرب تكلم الفيلسوف الألماني شبينجلير عن الحضارة ووصفها بأنها كالإنسان أو مثلها كمثل الكائن الحي، أي أنها تمر بمراحل مختلفة في حياتها مثل الكائن الحي مثل الطفولة ومنها إلى الشباب ثم النضوج وأخيرًا الشيخوخة.
2ـ نظرية فيجور
تتلخص تلك النظرية في أن الحضارة تمر بثلاثة عصور مختلفة على مدار حياتها وخلال دورة تطورها، وتلك العصور الثلاثة هي الأهلة ثم البطولة ثم عصر الناس، ولقد أكد فيجور على أن كل تلك العناصر هي العامل المشترك في قيام ونشأة جميع الحضارات الإنسانية عبر العصور.
3ـ نظرية توينبي
يرى الفيلسوف الإنجليزي توينبي أن نشأة أي حضارة على الأرض ترجع إلى مدى استجابة الإنسان نفسه للتحديات التي تفرضها عليه الطبيعة، وذلك وفقًا لما أورده توينبي عن مفهوم قيام الحضارات الإنسانية في كتابه دراسة التاريخ.
4ـ نظرية ابن خلدون
يرى العلامة المسلم ابن خلدون أن جميع الحضارات الإنسانية التي قامت على ظهر الأرض بدأت من مرحلة البداوة، ولكنها مع الوقت أخذت في التطور والتوسع بشكل تدريجي حتى أصبحت أكثر نماءً وعمارًا وازدهارًا، ولكن من الطبيعي أنه بمرور الوقت ستتلاشى جميع مظاهر العظمة والأبهة بها، وستنتقل إلى أمة أخرى وحضارة جديدة بعدها.
فوائد وأهمية قيام الحضارة
لا يمكننا ذكر تعريف الحضارة لغة واصطلاحًا، دون الحديث عن فوائد وأهمية قيام الحضارة، حيث إن فائدة وأهمية قيام الحضارة الإنسانية يمكن اختصاره في النقاط الآتية:
- وضع نظام إداري أكثر فاعلية وفقًا لبعض القوانين.
- توفير نظام صرف صحي مناسب.
- التقدم والتطور التكنولوجي.
- مواجهة التحديات المجتمعية القوية مثل الفقر والبطالة.
- حماية المجتمع من حالة الفوضى.
- تعزيز روح التعاون بين البشر لتحقيق مبدأ التكافل والتضامن الاجتماعي بين البشر، وذلك بهدف استمرار الحياة على كوكب الأرض.
- توفير مكان عام للبشر يمكنهم من العمل والتعلم وإفادة المجتمع بالكامل.
أمثلة على أهم حضارات العالم
استكمالًا لحديثنا عن تعريف الحضارة لغة واصطلاحًا من الواجب علينا أن نقدم بعض النماذج أو الأمثلة على أقدم الحضارات الإنسانية التي قامت على ظهر الأرض منذ زمن بعيد، وبالرغم من زوالها منذ قرون عدة إلا أنها كانت ولا زالت مصدر ثراء للحضارات الإنسانية التي تعاقبت عليها، ومن أبرز تلك الحضارات الإنسانية وأكثرها تأثيرًا في مجرى ومسار الحياة البشرية:
1ـ الحضارة الفرعونية
نشأت الحضارة الفرعونية منذ آلاف السنوات ولقد كانت ولم تزل منارًا للعالم بأسره، فهؤلاء الفراعنة يستحقون وعن جدارة أن يكتب عنهم سلسلة من المجلدات الهائلة، وليس فقط بعض السطور المختصرة التي تصف بعض من كل، فتلك الحضارة العظيمة هي التي شع نورها وعلومها واكتشافاتها إلى شتى أنحاء الدنيا.
لقد كان الفراعنة هم أول من ابتكروا صناعة البرديات، أو أوراق البردي من نبات البردي ليستخدموه كقراطيس للكتابة، وهم أول من أبهروا العالم أجمع بفن النحت الدقيق الذي لا يزال قائمًا حتى الساعة، في شتى أنحاء مصر من معابد وتماثيل وقصور، كما أنهم أول من اعتمدوا الطب البديل وبرعوا فيه إلى أقصى درجة.
باٌٌضافة إلى أن الفراعنة اهتموا بعلم الفلك، وذلك بمراقبتهم حركة النجوم والأجرام السماوية، وبناءً على ذلك قاموا بوضع التقويم السنوي، ولقد ابتكروا أيضًا الكتابة الهيروغليفية التي كانت السبب في نقل العلم إلى الناس، وأضافوا إلى الحساب والهندسة والجغرافيا والطب والدين، والكشف عن وجود المعادن واستخراجها وإعادة تشكيلها.
2ـ الحضارة الفينيقية
إن الحضارة الفينيقية تنسب لشعوب البحر الأبيض المتوسط، والذين كانوا يقطنون الأماكن الساحلية في الجهة الشرقية للبحر الأبيض المتوسط وكان يلقبون باسم الرجال الحمر، ولقد سعت هذه الشعوب إلى الاستقرار وتأسيس حضارة خاصة بهم، فعمدوا إلى البناء والإنشاء والتعمير، واهتموا كثيرًا بالعلم ورفعوا من شأن العلماء.
اهتم الفينيقيون كثيرًا بعلم الهندسة في شتى المجالات وأسسوا لها المدارس الخاصة بتعليمها، ولهذا نجحوا في صناعة السفن البحرية بجميع أحجامها وأنواعها، سواءً كانت سفنًا للصيد أم للحرب، كما أنهم برعوا في العلوم الدينية والجغرافيا والطب، ولقد سعى الفينيقيون إلى نهل العلم من الحضارة المصرية الفرعونية.
لقد أدى اهتمام الفينيقيون بالعلم إلى اكتشافهم للحروف العربية، ولقد ساهموا كثيرًا في نشرها إلى شتى أنحاء العالم، ولقد برعوا في علوم التجارة والصناعة بشتى أنواعها، فقاموا بتعليم الناس طرق وكيفيات صناعة الحديد، وللحضارة الفينيقية باعٌ طويل مع العلم منذ نشأتها وحتى سقوطها.
3ـ الحضارة البابلية
إن حضارة بابل هي من الحضارات القديمة التي قامت فيما بين النهرين، ولهذه الحضارة الفضل الأكبر في وضع علم القوانين الثابتة والمتغيرة للدولة، وإذا ذكر اسم الحضارة البابلية، طرق على الأذهان اسم الملك حمورابي، وهذا للقوانين والتشريعات التي وضعها ذلك الإمبراطور العظيم.
الحضارة البابلية تعد من أفضل النماذج والأمثلة، على الدول والحضارات التي اهتمت بالعلم وقدست مكانة العلماء، فلقد اهتم البابليون بعلم الطب والفلك والقانون، وعلوم الفلسفة والتأريخ والكتابة، ولقد كانت مكتبة الدولة الآشورية تزخر بأمهات الكتب في شتى أنواع وفروع العلوم والفنون.
لقد أدرك البابليون مدى أهمية اللغة، فإذا أرادوا تحصيل العلم وطلبه والحفاظ عليه وتطويره أو العمل به، عليهم بتوجيه عناية خاصة لعلوم اللغة والقراءة والكتابة، ويعد هذا دليلًا على بعد نظرهم، فلولا اهتمامهم الحقيقي بالعلم لما وصلت إلينا ابتكاراتهم وإضافاتهم للعلوم المختلفة كالطب والهندسة.
إن البابليين هم من قاموا باكتشاف الأعداد والنظام الستيني، الذي سهل كثيرًا من عمليات الحساب وخصوصًا القسمة، واستمرت إنجازاتهم في علم الرياضيات فكانوا أول من استخدم الجدول الرياضي، ليجيدوا به شتى العمليات الحسابية، كما اهتموا بعلم الفلك وأسسوا علم الأبراج، كما استطاعوا تحديد مواقيت الفصول، والمواعيد الشمسية والقمرية التي يحتمل فيها حدوث تقلبات جوية.
4ـ الحضارة الآشورية
لقد قامت الدولة أو الحضارة الآشورية في شمال بلاد العراق، ولقد اتسعت رقعتها كثيرًا حتى شملت المنطقة الممتدة ما بين جنوب العراق، وحتى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وخير دليل على اهتمام هذه الحضارة وشعبها وملوكها بالعلم وإدراكهم لأهميته ومكانته، أن أول عمل قام به الملك الكبير أشور بنيبال هو إقامة مكتبة عظيمة تزخر بآلاف الكتب في شتى أنواع العلوم.
لقد عمرت الحضارة الآشورية لأكثر من ألف وأربعمائة عام، وطوال تلك الفترة استمر اهتمامهم بالعلم، وبالرغم من أنهم لم يشهدوا بالطبع الحقبة التي أشرقت فيها شمس الدين الإسلامي، الذي أوصى بالعلم ورفع شأنه ومكانته، وكانوا وثنيين من الدرجة الأولى إلا أنهم برعوا في الكثير من العلوم.
كان الآشوريون أساتذة من الطراز الرفيع في علم الهندسة، ونعني بالهندسة كل فروعها من معمارية إلى فنية وغيرها، وهذا ما نراه واضحًا في الآثار التي خلفوها ورائهم، مثل قصر خورس آباد الذي بناه الملك سرجون الثاني، كما كان الآشوريون هم أول من ابتكروا الكتابة المسمارية.
وجه الآشوريون اهتمامًا كبيرًا بعلم الرياضيات، فقد عرفوا الجذر التربيعي والجذر والمربعات والكسور، بالإضافة إلى معرفتهم القوية بعلم الفلك، فلقد وضعوا تقويمًا خاصًا بهم، وقسموا العام إلى شهور، والشهور إلى أيام، والأيام إلى ساعات، كما اهتموا بالطب كثيرًا لمعرفة تكوين الجسم البشري وآلية عمله.
بعد الاضطلاع على تعريف الحضارة لغة واصطلاحًا جدير بالذكر أن جميع الأمم أو الحضارات التي نشأت قديمًا، بقي أثر الكثير منها حاضرًا حتى الآن في بقاع مختلفة من العالم.