شخصيات ودول

من هو الحكم بن هشام

الحكم بن هشام أحد الملوك العظماء في تاريخ الأندلس.. له الكثير الإنجازات الحضارية والعسكرية في التاريخ الأندلسي كما أن له بعض السقطات المدوية والمذابح التي أرتكبها في أهل البلاد.

أبو العاصي الحكم بن هشام الأموي

اسمه: الحكم بن هشام بن عبد الرحمن (الملقب بالداخل) بن عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي.

لقبه: الربضي (بسبب ما فعله في ثورة الربض)، ويُقال له المرتضي.

هو أمير الأندلس وابن أمير الأندلس وحفيد أمير الأندلس، حكمها من عام 180هجريًا الموافق عام 796 ميلاديًا.

فترة حكمه كانت مليئة بالأحدث، لم تكن مماثلة لفترة أبوه وجده، وانتهى حكمه في عام 206هجريًا الموافق عام 821 ميلاديًا.

وصول الحكم بن هشام إلى حكم الأندلس

في اليوم السابع من شهر صفر للعام 180هجريًا مات هشام بن عبد الرحمن الداخل، وفي اليوم التالي تمت البيعة لأبنه “الحكم”.

صعوبات تملك الحكم بن هشام من الإمارة

عندما علم عماه “سليمان بن عبد الرحمن الداخل” و”عبد الله بن عبد الرحمن الداخل” بموت أخيهما سارعا لكي ينال كل واحد منهما منصب أخيه.. حيث كان أخاهم “هشام بن عبد الرحمن الداخل” قد نفيهما خارج شبه جزيرة الأندلس.

كان “سليمان بن عبد الرحمن الداخل” مقيم بطنجة ببلاد المغرب العربي، بينما أخاه “عبد الله بن عبد الرحمن الداخل” لم يستقر في مكان واحد وظل متنقلًا بين أقطار المغرب العربي وإفريقية (ليست إفريقيا) الذي عندما علم بموت أخيه عبر مضيق جبل طارق نزل في منطقة تسمى “الثغر الأعلى” لعلمه بكراهية أهل هذا المكان للأمير الجديد، ومنها انتقل إلى سرقسطة، لكنه لم يجد من يؤيده لعزل الأمير وعاد بخفي حنين.

بينما كان أخاه “سليمان” ذو بعض الحنكة العسكرية، فجمع بعض الجنود في جيش وذهب فيه ليهاجم قرطبة، وفي شوال عام 182هجريًا هُزم  أمام جيوش ابن أخيه، ثم توالت هزائمه.. كان آخرها سنة 183 هجريًا في استجة، لكنه لم ييأس، وبعد عام حشد جيش في شرق الأندلس وأستولى على إلبيرة بعدما وقعت في يديه جيان.

أنضم أهل المدينتين إلى جيشه وألتقى في حرب شنعاء مع جيش ابن أخيه وأنهزم فيها، وتفرق جيشه وقُتِل أغلبه، وهرب “سليمان” فأرسل الحكم بن هشام ورائه أحد رجاله يسمى “صبغ بن عبد الله بن وانسوس” وأسره، وقاده إلى الحكم، فقتله وأمر بأن يُطاف برأسه على رمح، ثم دفنه بقصر الروضة بجوار جده.

سمات حكم الحكم بن هشام

كان الحكم الربضي أحد أقوى حكام الأندلس وأقساهم على الشعب، كثير الضرائب، يقضي وقته في رحلات الصيد ويقصده الشعراء للمدح وطلب العطية، وكانت هذه القوة والقسوة من دعائم تثبيت ملك فبها قدر على صد الهجمات على دولته، كما قدر على كبت الثورات الداخلية وإخماد نيرانها، فكان هو ابي جعفر المنصور الخاص بالأندلس.. بجانب اهتمامه بالعلم والعلماء، ففي عهد كانت قرطبة منارة العلوم للعام كله.

الثورات على الحكم بن هشام

بسبب سوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية قامت على الحكم عدة ثورات كبرى مثل:

ثورة الربض بقرطبة

الربض هم جماعة من الناس كانوا يعيشون في كيان خاص بهم في أحد ضواحي مدينة قرطبة العامرة، ثاروا عليه بسبب أنهم رفضوا فسقه من شرب الخمر واللهو المبالغ ورحلات الصيد، ولطغيانه حين قتل مجموعة أعيان قرطبة دون وجه حق.

فأصبح هناك بين الفنية والأخرى مناوشات بين جنده وبين أهل قرطبة، وعندما زاد الأمر نصحه بعض المقربين منه ببناء الأسوار حول مدينته وتحصين القلعة وحفر الخنادق، وزاد عدد جنوده قربهم منه، مما زاد من حنق أهل قرطبة.

وكانت القشة التي كسرت ظهر البعير هو أن أحد مماليكه تشاجر مع أحد العامة فقتله، فثار الربض عليه، وتحركوا إلى قصره وأحاطوا بها ودارت معركة شديدة بن جنوده وبينهم وتم إخماد الثورة، لكنه لم يكتفي بأن تُخد الثورة.

زاد على قتالهم وهزيمتهم أن طاردهم في البلاد وحرق منازلهم وقراهم، فترك الثوار الحرب وذهبوا لإطفاء منازلهم، فحاوطهم حرس القصر من الخلف والأمام وقتل الكثير منهم وتمكن من أسر حوالي ثلاثمائة رجل منهم  فتم صلبهم على أطراف المدينة وعلى ساحل النهر الكبير من مدينة المرج إلى المصارة.

في خضم هذه الحرب الشنعاء هرب بعض الفقهاء إلى طليطلة، فطاردهم فيها لمدة ثلاث أيام.. هرب الباقي منهم إلى فاس بالمغرب في حي سمي بحي الأندلسيين، وبعضهم أرتحل إلى الإسكندرية في مصر، ومن ثم حدثت بعض المشاكل بينهم وبين أهل المدينة، وارتحلوا إلى جزيرة كريت واستوطنوها  ردح من الزمان حتى استولى عليها البيزنطيون

مما فعله في هذه الثورة أخذ اسمه (الحكم الربضي)

ثورة المولدين بطليطلة

كان أهل طليطلة يستخفون بالولاة وكثيري الثورة والخروج عليهم، وأكثر من مرة حاولوا الخروج عن قبضة العاصمة قرطبة.. لكن الحكم بن هشام كان داهية فعرف كيف يوقعهم في شر أعمالهم، فولى عليهم رجل من بني جلدتهم -من المولدين- يسمى “عمروس المولد” من مدينة تسمى “وشقة”.

كان عروس هذا يتظاهر أمامهم بكراهيته للبيت الأموي، حتى يأمنوا جانبه ويأنسون له فيبدون له ما يخفون.

عندما لان له الأمر بينهم، بنى قصر على أطراف المدينة عند جسر طليطلة، وأقام حفلًا كبيرًا دعا فيه كل أعيان المولدين، وجعل الدخول من باب والخروج من باب أخر، فوقف الجنود على شفى حفرة القصبة، كان الجنود يستقبلون كل من خرج من الحفل بضرب العنق، حتى امتلأت الحفرة، ويروي المؤرخون أن جملة من قُتل في هذا اليوم  حوالي خمسة آلاف وثلاثمائة وبعضهم بالغ في عددهم أكثر.

بعد هذه الحادثة انكسرت شوكة أهل طليطلة وكفوا عن الثورات، واستتب الأمر له إلى نهاية فترة ملكه، ولم يثوروا على أبنائه من بعده.

القارئ في التاريخ يلحظ أن الحكم بن هشام في تلك الواقعة كان أستاذ لغيره من الحكام الذين يحاولون إخماد الثورات، واقتلاعها من الجزور، مثلما فعل محمد على مع بقايا المماليك في القلة، ما يسمى في كتب التاريخ بـ(مذبحة القلعة).

العلماء في عهد الحكم بن هاشم

كثر عدد العلماء جدًا في قرطبة في عهد الحكم بن هشام بسبب اهتمامه بالنهضة العلمية، ففي كتب التاريخ يقال أنه كان هناك أكثر من 4000 رجل وشاب وشيخ يلبسون زي العلماء ويعلمون الناس، فقرطة في عهده كانت منارة يهتدي بها كل الأمة الإسلامية.

حركة الجهاد في الحكم الربضي

رغم كل ما فعله من مجازر في حق الثائرين إلا أنه لم يتخلى عن نهج أجداده من البيت الأموي.. حيث كان الجهاد عنصر أساسي من عناصر الحكم، فكانت له انتصارات عظيمة وهزائم نكراء، ويرى محللين فلسفة التاريخ أن السبب وراء كافة الهزائم التي نالت منه هو الظلم الداخلي للعامة، فالعامة هم الجنود في الحرب، فسقطت بعض الإمارات في يد الممالك المسيحية في الشمال، مثل إمارة “أراجون” القريبة من أرض بلاط الشهداء.

ومن انتصاراته العظيمة ما حدث في سمورة.. حين يأس الروم من النصر بعدما قتل منهم ما يزيد عن ثلاثمئة ألف مقاتل، وهم من طلبوا الهدنة والصلح، فوضع عليهم الحكم بن هشام الجزية التي كانوا يدفعونها لجده وزاد عليها، بل ونكاية فيهم وإصغارًا لهم طلب أن يجلبوا له من تراب رومية أكوان يضعها على شرق قرطبة.
وصف الحادث المؤرخ الأندلسي إليسع بن حزم الغافقي (تـ575 هجريًا) بقوله: “همت الروم بما لم ينالوا من طلب الثغور، فنكثوا العهد، فتجهز الحكم إليهم حتى جاز جبل السارة -شمالي طليطلة- ففرت الروم أمامه حتى تجمعوا بسمورة، فعندما ألتقى الجمعان نزل النصر، وانهزم الكفر، وتحصنوا بمدينة سمورة، وهي كبيرة جدًا، فحصرها المسلمون بالمجانيق، حتى افتتحوها عنوة، وملكوا أكثر شوارعها، وأشتغل الجند بالغنائم، وانضمت الروم إلى جهة من البلد، وخرجوا على حمية فقتلوا خلقًا في خروجهم، فكانت غزوته من أعظم المغازي لولا ما طرأ فيها من تضييع الحزم، ورامت الروم السلم، فأبى عليهم الحكم، ثم خرج من بلادهم خوفًا من الثلوج، فلما كان العام الآتي، استعد أعظم استعداد، وقصد سمورة، فقتل كل ما مر به، ثم نازلها شهرين، ثم دخلوها بعد جهد، وبذلوا فيها السيف إلى المساء، ثم أنحاز المسلمون، فباتوا على أسوارها، ثم صبحوها من الغد لا يبقون على محتلم”

وفاة الحكم بن هشام

في آخر أيامه -كان في كامل قوته وصحته، قبل عامين من موته- تاب إلى الله عما فعله وأعتذر للناس وعاد عن ظلمه ورد ما يقدر من المظالم، وبحث عن أصلح أولاده ليوليه العهد، توفى في عام 206هجريًا، عن عمر يناهز ثلاثة وخمسون عام، وتولى بعده أبنه عبد الرحمن المكنى بـ”أبو المطرق”.

المصادر والمراجع

  • سير اعلام النبلاء، للحافظ الذهبي.
  • البيان المغرب لابن عذاري.
  • نفح الطيب للمقري.
  • الكامل في التاريخ لابن الأثير.

*المولدون هم أبناء الأندلس الأصلين الذين اعتنقوا الإسلام وحسن دينهم، أو هم الذين ولدوا لأب عربي وأم إسبانية، وكانوا يعملون في النسيج الاجتماعي الأندلسي، كما أنهم وصلوا لمناصب عليا في الدولة.

بذلك نكون قد ذكرنا ما قاله المؤرخون العرب عن الحكم بن هشام وفترة حكمة ما بين الثورات التي أخمدها والإنجازات التي قدمها للأندلس، نرجو أن نكون قد أفدناكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى