اسلامياتفقه

حكم مقاطعة الزوجة لحماتها

إنَّ حكم مقاطعة الزوجة لحماتها يندرج تحت أحكام الشريعة الإسلامية التي توضح لنا كيفية التعامل مع أقارب الزوج بشكل عام، فدعونا نبدأ أولًا بتساؤل في غاية الأهمية، هل هناك مشاكل جللة تستدعي أن تقاطع الزوجة أم زوجها والتي هي بمثابة والدتها؟

فمن منهما على حق؟ ومن يتمكن منه العند والكبر؟ إذًا لا توجد إجابة قاطعة تستوفي هذا الأمر، حيث يعتمد بالنهاية على أي الطرفين مخطئ وأيهما مصيب، ومن خلال موقع البلد سنعرض لكم حكم مقاطعة الزوجة لحماتها بشيء من التفصيل.

حكم مقاطعة الزوجة لحماتها

بشكل عام فإن الطرف المُحق لا يبدأ بالهجر والمقاطعة، وإنما يريد دائمًا أن تسير الأمور على ما يرام، وعلى الجانب الآخر نجد الطرف الذي يتصرف بالباطل إنما يريد الشقاء والشقاق على الدوام.

لكن لا نربط الأمر قط بصلة الأرحام، فأهل الزوج ليسوا من الأرحام، بل ما يجمع بينهم وبين الزوجة هي علاقة مصاهرة، فلا نُرجع الأمر هنا إلى حكم من قطع الرحم.

لذلك فإن علاقة الزوجة بحماتها تندرج تحت حسن المعاشرة الطيبة، أي هو باب البر الذي تأخذ عليه الثواب والأجر من الله عز وجل، لكن يأتي ذلك البر في حدود الطاقة، أي بما تتحمله طاقة تلك الزوجة بالذي لا يعود بالضرر عليها بتاتًا، فقد قال الله تعالى في سورة البقرة: “لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا” (الآية 286).

إذا كان الأصل في علاقات المسلمين بعضهم البعض أنه لا هجر بينهم إلا لسبب مشروع ويستحق ذلك الهجر، حتى يكون الهجر رغم كونه سيئًا إلا أنه الأفضل من أي تصرف آخر، كذلك الحال إن كانت المقاطعة لأهل الزوج والحماة اتقاءً أذاها فلا حرج من ذلك.

إنه من مهام الزوجة أن تحافظ على بيتها واستقراره، ولا تجعل هناك فرصة لأحد قط أن يُفسد عليها حياتها وبيتها، لذا فإنه في حالة قيام أم الزوج بافتعال الخلافات والمشاكل التي تقصد بها إفساد حياة ابنها وبيته بأن يصل الأمر إلى إلحاق الضرر بزوجة ابنها، فإنه ليس على الزوجة حرج من أن تتجنبها.

الأصل في الحكم

يعترينا الأمر هنا أن نذكر قول ابن عبد البر رحمه الله بصدد جواز الهجر والمقاطعة، فرُب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية، فتم الاتفاق بالإجماع بين الفقهاء بجواز المقاطعة إن كان المخاطب يجلب نقصًا في الدين أو مضرةً في النفس، وهذا ما نشير إليه بصدد حكم مقاطعة الزوجة لحماتها.

إذا نظرنا إلى أسس المعاملات الإنسانية بالأساس نجد أنه من الأفضل أن يعامل أحدهم الآخر من أجل احتساب الأجر عند الله دون النظر إلى ما كان عليه هذا الشخص الآخر أو إلى معاملاته وطباعه، يكفينا أن نراعي حدود الله مع من نتعامل بنية صادقة دون إلحاق الأذى، فلنترك مبدأ المعاملة بالمثل للتجارة فقط ولنتحلى ببعض الإنسانية.

نستند هنا إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:

“لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيالٍ، يَلْتَقِيانِ فيُعْرِضُ هذا ويُعْرِضُ هذا، وخَيْرُهُما الذي يَبْدَأُ بالسَّلامِ” (صحيح مسلم)

حيث إن حكم هجر المسلم لأخيه لا يجب أن يتجاوز ثلاث ليال دون أن يكون هنالك وجه شرعي، ذلك بسبب مشكلة معينة في الأمور الدنيوية.

أما إذا ترتب على المقاطعة والهجر ضرر أو فتنة فهذا أشد، لأن أصل الشرع هو ارتكاب أدنى الضررين أو المفسدين، ذلك من أجل تفويت المفسدة الكبيرة منهما.

رأي الإفتاء في علاقة الزوجة بحماتها

إن وجود الخلافات أمر طبيعي ولا مجال من تجنبه بشكل كلي، ولكن في حالة ازدياد هذه الخلافات بشكل يلحق الضرر ويهدد استقرار أسرة، لا يُمكن اعتبار الأمر خلافًا عاديًا.

في هذا الصدد وفي حديثنا عن حكم مقاطعة الزوجة لحماتها فإنه لا يجوز مقاطعة الزوجة لحماتها في حالة إن كانت الحماة لا تعاملها إلا بالحب والمودة والمعاشرة الحسنة، بما أن نتيجة ذلك لا تعود على الزوجة بالضرر في الدنيا والدين.

لا نسميها مقاطعة بمعنى القطيعة والهجران بقدر ما هي تعد تجنبًا للعلاقة في حال إذا كانت علاقة الحماة بالزوجة ينتج عنها متاعب نفسية وبدنية لا تُحتمل، إذًا تُقتصر هذه العلاقة في نطاق محدود ولا حرج على الزوجة إن تجنبت حماتها حينئذٍ.

كما أنه على الزوجة أن توضح لزوجها سبب موقفها من حماتها حتى لا يغضب منها بسبب الهجر أو الابتعاد، من أجل أن يتفهم أنها على صواب ولا ينتابه سوء الظن بها.

جدير بالذكر هنا الإشارة إلى أن كثرة المشاكل تأتي من التواجد أحيانًا في ذات المنزل، فهذا يجعل العلاقة بينهما عُرضة للمشاكل والشجار وربما على أتفه الأسباب.

فربما كانت الحكمة من رأي الفقهاء حول ضرورة أن يكون للزوجة منزلها الخاص البعيد عن مسكن أقارب زوجها على العموم تكمن في عدم إعطاء الفرصة لاختلاق المشاكل بين الزوجة وأحد أقارب الزوج سواء والدته أو والده أو أيًّا من كان.

كما أن هناك أسبابًا أخرى كالحب المرضيّ من الأم لابنها بحيث لا يجعلها تتقبل فكرة وجوده مع امرأة أخرى حتى وإن كانت تلك زوجته أو إن كانت هذه سنة الحياة، فهي تعتبره من قبيل الملكية المطلقة، فتقوم بتعكير صفو علاقته بزوجته.

ما يجب أن تكون عليه علاقة الزوجة بحماتها

كما هو الحال في مختلف التعاملات الإنسانية بل وما يرتبط بالأحكام الدينية والقانونية أيضًا، ما يتعلق بالنوايا، فالنية هي التي تحدد طبيعة العلاقة والحكم في تلك العلاقة أيضًا…

فإذا كانت نية أم الزوج سيئة فهي الطرف المُخطئ وتستحق مقاطعة زوجة ابنها لها، أما إن كانت زوجة الابن تكن في نفسها بغضًا وحقدًا فلا يحق لها المقاطعة وستحاسب على ظلمها لحماتها.

ربما إن تعاملنا مع الأمر كأنه حالة إنسانية بحتة نستطيع الوصول إلى الحكم دونما خلاف، فبغض النظر عن كون هذه زوجة وكون تلك أمًا، يُصبح التعامل إنسانيًا بينهما فما بدأ بالضرر يستحق الهجر، دونما إساءة بالتأكيد وإنما هو هجر جميل طيب يحتفظ بالود أكثر منه يُسمى قطيعة.

عندما تسيء الأم إلى زوجة ابنها فهي بذلك تضر بابنها واستقرار أسرته، فهي مخطئة في الجانبين، ما يخص إلحاق الضرر بالآخرين وما يخص الإفساد بين الرجل وزوجته، وهذا أمر غير مباح بالأساس.

الزوجة بأي حال لها أم تحرص على طاعتها ورضاها وحبها، تلك التي تحت أقدامها الجنة، فقط لتنظر إلى والدة زوجها بأنها أم أيضًا يجب معاملتها بلطف والحرص على رضاها ولها جزيل الثواب عند الله.

مهما يكن الحال فإن الحماة تعتبر من الأقربون، فكلما كان الزوج له قدرًا من القُرب والحب في قلب زوجته، ستحرص زوجته بالضرورة على الحفاظ على علاقتها مع والدته، فلا تفتعل ما يغضبها، وستحرص من ناحيتها قدر الإمكان على استقرار العلاقة، وما يشجعها على ذلك هو عدل زوجها وإنصافه لكلاهما.

دور الزوج بين أمه وزوجته

علاوةً على أن كلا من الزوجة والحماة بينهما رابط قوي، ألا وهو الرجل الذي هو زوج وابن في ذات الوقت، لذا فلا يجب أن نتجاهل هذا الطرف في العلاقة، فهو الشخص الذي يعاني من تنازع دوره ومكانته كونه ابنًا عليه البر والطاعة، وكونه زوجًا عليه العدل والمودة، فهو بمثابة رمانة الميزان.

لكن لنكون على قدر من الإنصاف فلنذكر أن هناك من الأسباب ما يجعل الأمر يزداد صعوبة بحيث يكون من الأفضل درء المضرّة عن جلب المنفعة، ما نقصده أن يكون البعد رغم أنه الأسوأ هو الحل، فبما أن هناك خطان لا يستقيمان سويًا وأحدهما يقاطع الآخر فلا حل سوى إبعاد بعضهما عن البعض بكل العدل.

في إطار الحديث حكم مقاطعة الزوجة لحماتها، دعونا نفرق بين مراعاة الوالدين ومراعاة حدود الله، وربما يتسنى لنا معرفة المقصد من وراء هذا من خلال الآية الكريمة في قوله تعالى:

“وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” (سورة لقمان الآية 15).

بالطبع كان نزول هذه الآية على وجه الخصوص بالنسبة لعدم طاعة الأبناء لآبائهم المشركين، بل العمل على مصاحبة الوالدين بالمعروف في الحياة الدنيا والدعاء لهما بالهداية، وفي النهاية سيُحاسب كل امرئ على عمله منفردًا فلا ينفع هاهنا مال ولا بنون.

لكن إذا ربطنا بين المعاني، نجد أنه يُمكن طاعة الأم دون مخالفة حدود الله، أقصد بذلك التوفيق بين رضاها وبين عدم الجور على الزوجة التي وصى الله عز وجل بحفظ حقوقها، تلك المهمة التي تقع على عاتق الزوج وتعينه زوجته عليها أيضًا.

قدمنا لكم حكم مقاطعة الزوجة لحماتها، ذلك بالإشارة إلى علاقة الزوجة بحماتها من كافة الجوانب، والأمر يختلف من حالة إلى أخرى كما ذكرنا ويعتمد على النية بالأساس، وحسن معاشرة كلًا منهما للأخرى، ونتمنى أن نكون قد أفدناكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى