هل الإنسان مخير أم مسير
هل الإنسان مخير أم مسير هو سؤال يدور في ذهن الكثير من الأشخاص، وكذلك السؤال حول حرية الإنسان، فهل الإنسان يمتلك حريته بشكل مطلق، أم أن تلك الحرية يوجد ما يحكمها ويقيدها، وقد توسع البحث في هذا الأمر بشكل كبير، حيث قام عليه العديد من الأبحاث العلمية، ومن خلال المقال التالي عبر موقع البلد سنتعرف على إجابة هذا السؤال.
هل الإنسان مخير أم مسير
من الصعب الجزم بشكل مؤكد على أن الإنسان مخير بشكل مطلق، أو الجزم بأنه مسير بشكل مطلق، بل أنه مخير في أمور محددة بينما يكون مخير في بعض الأمور الأخرى، فعلى سبيل المثال من الأمور التي يكون الإنسان مسير فيها تكون تلك الأمور المرتبطة بالقضاء والقدر، والمرتبطة أيضًا بالأسباب التي خلقه الله لها، والتي لا يملك إمكانية تغييرها ولو بجزء بسيط.
من أهم الأمور التي يكون الإنسان مسير فيها جنسه، ووالديه، وطوله، وقدر ذكاءه، وبلاده، ومدى قوة أو ضعف جسمه، ومدى غناه أو فقره، حيث لا يمتلك الإنسان في تلك الأمور حرية اختيارها أو تغييرها.
أما الأمور التي يكون فيها الإنسان مخير فهي عديدة، وقد منح الله الإنسان العقل ليختار، كما منحه الإرادة، والسمع، والبصر ليتمكن من التمييز ما بين الخير والشر، وبين النافع والضار، وهو ما يترتب عليه حريته في اختيار الحق وترك الباطل، ولذلك فإن الإنسان يُثاب على اختياره الحق، ويعاقبه الله عند اختياره الباطل.
الاختيار في حياة الإنسان
حرية الاختيار في حياة الإنسان مقسمة إلى ثلاثة أقسام مختلفة، وفيما يلي سنتعرف على تلك الأقسام بشكل مفصل:
التخيير المطلق المباح
في هذا النوع من التخيير يكون الإنسان قادر على فعل كافة الأمور المباحة له الاختيار فيها، ولا يحمل إثمًا عند قيامه باختيارها، على أن تكون تلك الاختيارات في إطار ما نصت عليه الشريعة الإسلامية.
التخيير المنضبط
يستطيع الإنسان في قسم التخيير المنضبط عدم الالتزام بما نصت عليه الشريعة الإسلامية من أوامر وتعاليم، بحيث يمتلك الحرية الكاملة والإرادة في اختيار ذلك، بينما يكون مطالب بالالتزام بإطاعة الأوامر والبقاء في حدود الشرع، وما هو يضمن له الحصول على الثواب في الدنيا والآخرة.
التخيير الغير منضبط
في هذا القسم من التخيير من الممكن أن يقوم الإنسان بالخروج عن أوامر الشريعة، وعدم الالتزام بها بكامل حريته وإرادته، ولكنه سينال عقاب الله في حال استمراره على تلك الأفعال المخالفة لشرع الله سبحانه وتعالى.
شروط الإيمان بالقضاء والقدر
هناك أربعة أمور لابد من أن يقتنع الإنسان بهم بشكل كامل حتى يتحقق لديه الإيمان الكامل بالقضاء والقدر، وتتمثل تلك الأمور فيما يلي:
- التأكد من أن الله سبحانه وتعالى على علم بكل ما يحدث في الكون.
- التأكد من أن الله سبحانه وتعالى هو وحده الخالق لكل شيء.
- الإيمان بأن كافة الأحداث التي تحدث في العالم بأكمله لا تتم إلا بعد أن يشاء الله سبحانه وتعالى.
- التأكد من أن الله سبحانه وتعالى دَوَّن كل شيء في حياة الإنسان في اللوح المحفوظ.
الدليل على أن الإنسان مخير
قد ورد في القرآن الكريم عدد كبير من الآيات التي تؤكد على حقيقة أن الإنسان مخير، ومنها قول الله سبحانه وتعالى:{ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَ}، وهو ما يؤكد على أن كل نفس تمتل مشيئتها، وتلك المشيئة التي منحها الله لها.
نظرًا إلى أن الإنسان يمتلك مشيئته، وإرادته الكاملة في الاختيار، فإن الله سبحانه وتعالى سيحاسبه على اختياراته كاملة، فقد خلق الله الإنسان ومنحه الإرادة والقدرة على الاختيار، كما جعله قابل لاختيار الخير والشر وعلى الإنسان أن يختار ما يرغب فيه، وفيما يلي توضيح لبعض الآيات التي تؤكد على أن الإنسان مخير:
- {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ}.
- {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً}.
- {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا}.
- في الحديث: “إن الله خير عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عنده”، رواه البخاري.
هل الإنسان مسير أم مخير في الفلسفة
قام بعض الفلاسفة بوضع وصف قريب لحرية الإنسان، حيث قام توماس هوبز بتقديم اقتراح حول الحرية، تضمن بأن الحرية يحصل عليها الإنسان في حالة عدم وجود عوامل خارجية تمنعه وتقف أمام ما يريد القيام به، فقد قال: “إن الفاعل الحر هو ذلك الشخص الذي يتمكن من فعل ما يريده، ويتحمل كما يريد، وأن الحرية تعني عدم وجود أي عوائق خارجية”.
قام أيضًا ديفيد هيوم بتقديم رأي عن الحرية بتعريفها على أنها الإرادة الحرة التي لا يوجد بها أي تعقيد، فهي تتمثل في قوة فعل الشيء أو عدم فعله.
مما سبق يتضح أن الحرية هي عبارة عن إمكانية الإنسان في اختيار الطريق الذي يرغب في السير فيه، وأن الإنسان حر طالما لا يوجد ما يعيق حريته، فعلى سبيل المثال إذا رغب شخص أن يخرج من المنزل باصطحاب كلبه فهو مخير في ذلك، أما في حالة قيامه بذلك تحت ضغط محدد ففي تلك الحالة يكون مسير.
هل الإنسان مخير أم مسير في الزواج
الحال في الزواج لا يختلف كثيرًا عن جميع أمور الحياة فيما يتعلق بالسؤال حول إذا ما كان الإنسان مخير أو مسير، فهناك من يحاول جاهدًا للوصول إلى شيء ما بينما لا يتمكن من ذلك، وفي نفس الوقت قد يصل غيره إلى ما كان يطمح إليه دون بذل أي جهد أو تعب.
لا يختلف الأمر في الزواج أيضًا، حيث هناك من يسعى بكل كد إلى الزواج وقد لا يوفقه الله في ذلك، وهناك من يتزوج بكل سهولة دون السعي إليه.
بالرغم من ذلك لا يمكن القول بأن الزواج فقط قدر، حيث أن القدر ما هو إلا أن رجل يظهر أمام فتاةٍ ما، فقد تعتقد الفتاة أنه ظهر في طريقها لأنه قدرها ورزقها من الله، بينما الأمر في الواقع يختلف عن ذلك، حيث يقوم الرجل بالتقدم لطلب الزواج من الفتاة، وهي بيدها القبول أو الرفض، وعليها أن تأخذ بالأسباب حتى تتمكن من اتخاذ القرار الصحيح.
بناءً على ذلك فعلى كل فتاة أن تقوم بالسعي إلى الزواج مع الأخذ بالأسباب، وتفعيل كافة القوانين الخاصة بالزواج بجميع تفاصيلها وخطواتها، بدءً من التصور الذي تتخذه عن الشخص المتقدم لطلب الزواج منها، مع محاولة فهم شخصيته بأكبر قدر، ثم استخارة الله سبحانه وتعالى بهدف التوفيق إلى الخيار السليم.
يقوم البعض بالأخذ بالأسباب في كثير من الأحيان، وبالرغم من ذلك لا يحدث نصيب، فمن هنا يتضح أن الاختيار بيد الإنسان وأنها مشيئته، وذلك لقيامه بتطبيق الآيتين الكريمتين:” وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ»، «فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ”، فعلى حسب ما يقوم به كل شخص من اختيار، وطريقته في السعي، فإن الله سبحانه وتعالى ييسر الأمر سواء لليسرى أو العسرى.
بهذا ينتهي مقالنا عن التساؤل حول إذا كان الإنسان مخير أم مسير في جميع أمور حياته، والذي تعرفنا من خلاله على أن الإنسان مخير في جميع أمور حياته باستثناء فقط الأمور الأساسية التي خلقت الله لها.