اسلامياتفقه

طلاق الغضبان أكثر من مرة

طلاق الغضبان أكثر من مرة قد يعتبر طلاق حتميًا وقد لا يعتبر، فيختلف حكمه باختلاف حالته وأوضاعه، بل والحالة التي يمر بها كلا الزوجين.

الطلاق هو حل عقد النكاح بين الزوجين، فهل يحل العقد إن كان الزوجين تحت تأثير الغضب وتعتبر بينونة صغرى، وهل يمكن اعتبارها بينونة كبرى؟ ذلك ما سوف نعرفه من خلال موقع البلد.

طلاق الغضبان أكثر من مرة

زيادة معدلات ضربات القلب مع ارتفاع ضغط الدم تكون البداية لحدوث بعض التغيرات الهرمونية، والتي بدورها تحمل تأثير على العقل الواعي فيصبح العقل غير ممسك بزمام أمور التحكم في الجسد.

تلك هي الأعراض التي تحدث عند حدوث الغضب، تحدث على الجسد تغيرات بيولوجية مع توترات عصبية تؤدي إلى مضاعفات عديدة، قد تؤدي لحدوث سكتة دماغية وأمراض قلبية وعصبية.

يختلف في تلك الحالة شخص وآخر، فهناك من أكرمه الله بالعقل والحكمة فيستطيع التحكم في زمام أموره حتى في أشد اللحظات، وهناك من يصل لنوبات من الصرع والجنون ولا يملك زمام أمره فقط لحدوث أمر أثار غضبه.

لهذا حرص ديننا الإسلامي على مراعاة كل تلك الأمور وصياغة الأحكام التي تناسب أوضاعه المختلفة، فقد تؤدي تلك الانفعالات إلى قول الزوج لزوجتها أنها لم تصبح على ذمته وكانت طالق منه.

قد يتكرر هذا الموقف فيحدث طلاق الغضبان أكثر من مرة بين الزوجين، فهل يؤدي طلاق الغضب إلى بينونة صغرى؟

أو يكون طلاق الغضبان أكثر من مرة سبب لوصول الزوجين إلى بينونة كبرى فلا يجوز عقد النكاح إلا بعد أن تنكح الزوجة لرجلًا آخر، فلابد أن نعرف في البداية ما هي أحكام الإسلام في درجات الغضب، ثم نعرف إلى ماذا يؤدي طلاق الغضبان أكثر من مرة.

حكم طلاق الغضبان أكثر من مرة

كما ذكرنا سلافًا إن الغضب أنواع ودرجات، ويختلف من درجة لأخرى ويختلف أيضًا من شخص إلى آخر، لذلك تختلف أحكام الطلاق وتختلف اجتهادات العلماء حكم طلاق الغضبان أكثر من مرة.

إن حالات الغضب تنقسم إلى ثلاث حالات لكل حالة منها حكمها الذي يناسب وضعها، فالحالات هما:

  • الغضب المفتقد للعقل.
  • الغضب الاعتيادي.
  • الغضب المفتقد للإرادة مع ثبات العقل.

فيكون لكل حالة بها معطياتها على أساسها اجتهد العلماء لدراسة أحكامها، وتتمثل تلك الحالات فيما يلي:

1- الغضب المفتقد للعقل

عندما يقع ذلك النوع من الغضب المستحكم على العقل والشعور والإدراك يزيل عن صاحبه كل شعورها وقدرته على السيطرة على ذاته فيكون صاحبه مصنف كوضع المعتوه ذو الجنون.

في تلك الحالة لا يقع الطلاق لعدم وعي الزوج بما يقول ويفعل، فيقاس الرجل على قياس المجانين، ولا يجوز الاعتداد بطلاق المجانين، فقال ابنُ تَيميَّةَ:

(الغَضَبُ على ثلاثةِ أقسام: أحدُها: ما يزيلُ العَقلَ فلا يَشعُرُ صاحِبُه بما قال، وهذا لا يقَعُ طلاقُه بلا نزاعٍ)، (المستدرك على مجموع الفتاوى).

ففي تلك الحالة لا يحسب الطلاق طلاقًا من الأساس، فحتى إن كان طلاق الغضبان أكثر من مرة فهو لا يحاسب عليه، إلا إن ثبت عقله وإدراكه لذاته، ما غير ذلك فهو على قياس المجنون.

2- الغضب المعتاد

هي تلك الحالة التي يكون بها العضب مثله كأي غضب لا يشدد على صاحبه ولا يفقده عقله، فيكون الرجل بكامل أهليته لا يؤثر على فعله وقوله شيء.

هنا يكون الرجل مطالب بكل ما يقول ويتحمل عقبة كلمته، فإن أقر الطالق في تلك الحالة كان يقصد ما يقول ومسيطر على ما يفعل، هنا يحسب على طلاقه، وصبح في البينونة الصغرى إن كانت تلك الطلقة الأولى أو الثانية، فتحرم عليه زوجته حتى يردها مرة أخرى.

قال ابنُ عثمين: (الثانيةُ: ابتداءُ الغَضَبِ، لكِنْ يَعقِلُ ما يَقولُ، ويُمكِنُ أن يمنَعَ نَفسَه؛ فهذا يقَعُ طلاقُه بالاتِّفاقِ؛ لأنَّه صَدَر مِن شَخصٍ يَعقِلُه غيرِ مُغلَقٍ عليه، وكثيرًا ما يكون الطَّلاقُ في الغالِبِ نتيجةً للغَضَبِ)، (الشرح الممتع على زاد المستقنع).

فإن حدث طلاق الغضبان أكثر من مرة وكانت الثلاثة فكان في البينونة الكبرى، ولا يجوز له رد زوجته إلا بعد أن تنكح رجلًا غيره، كما قال الله تعالى:

“فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)“ (سورة البقرة الآية 230).

3- اشتداد الغضب وثبات العقل

تلك الحالة هي الأكثر جدلية بين العلماء والتشريعات والأحكام، فليس لها مقياس متفق عليه لتحديد حكمها، فهي حالة وصول الزوج إلى نوبة من الغضب الشديد الذي يجعله يفقد القدرة على التحكم في انفعالاته، لكن لم يفقد قدرته على التحكم في عقله وتفكيره.

فهي تختلف عن حالة فقدان العقل -التي كان حكمها مؤكد ببطلان الطلاق- في إن العقل مازال على يقظة ووعي ويستطيع وزن وإدراك الأمور بالشكل السليم.

أيضًا تختلف مع الحالة الثانية بالطلاق الاعتيادي مؤكد الحكم بأن الطلاق قد حدث، حيث إن في تلك الحالة الزوج قد فقد سيطرته على الأمور، فيتحكم بتفكيره وعقله ولا يتحكم في اتخاذه للقرارات.

فقد كان رأي المذاهب الأربعة -الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة- بأن الطلاق قد وقع مادام الزوج لم يغب عنه عقله، حتى اشتد عليه غضبه.

فالرجل مكلف بأن يتمالك نفسه حتى في حالة غضبه فلا يرتكب المعاصي ولا يقتل النفس ولا يكفر بالله، فلو تمت إجازة أن الطلاق باطل، لكانت تلك حجة كل من يطلق فلا يكون الطلاق إلا عند الغضب.

لكن قول العلماء المسلمين، مثلًا: ابن تيمية، ابن القيم، ابن الباز، ابن عثيمين كان مختلف، حيث قالوا أن تلك الحالة يكون الغضب الحائل بين الرجل ونيته، فيجعله يفعل مالم يعزم الأمر على فعله حتى إن كان بكامل عقله ويقظته، فلا يدرك ما هو فاعل.

كان قياسهم على هذا وقوع الرجل في قياس المكروه على أمره، فتعجز إرادته عن السيطرة على فعله فيكون لسانه غير طائع لإرادته فيقول ما لا يريد.

قال ابنُ تَيميَّةَ: (إنْ غَيَّرَه الغَضَبُ ولم يُزِلْ عَقْلَه: لم يقع الطَّلاقُ؛ لأنَّه ألجأه وحَمَله عليه، فأوقَعَه وهو يكرَهُه؛ ليستريحَ منه، فلم يبقَ له قَصدٌ صَحيحٌ؛ فهو كالمُكرَهِ؛ ولهذا لا يُجابُ دعاؤُه على نَفسِه ومالِه، ولا يلزَمُه نَذرُ الطَّاعةِ فيه). (المستدرك على مجموع الفتاوى).

فكان في اختلاف الاجتهادات رحمة للمسلمين، وعلى الفرد تحديد حالته والله اعلم بما في داخل القلوب.

طلاق الغضبان أكثر من مرة في قول واحد

إن الطلقة الثلاثة هي طلقة البينوية الكبرى، فلا يجوز بعدها رد الزوجة إلا بعد أن تنكح رجلًا آخر غير زوجها، فحالات الغضب قد وضحت في الفقرة السابقة، فإن كان الطلاق في حالة الغضب المذهب للعقل، فمهما كان عدده لا يحسب.

إن كان الطلاق في حالة الغضب الاعتيادي فيطبق عليه كل أحكام الطلاق العادي.

لكن في تلك الحالة إن كانت مرة واحدة وتلفظ الزوج بالطلاق أكثر من مرة مثل: الطلاق بالثلاثة، أو تكرار كلمة الطلاق أكثر من مرة أو غيرها من محاولات جزم الزوج أنه يعني البينونة الكبرى.

كل تلك الحالات لا ينوط بها في كل الأحوال سواء الغضب المذهب للإرادة أو الاعتيادي، كلها تُحمل على محمل الطلاقة الواحدة.

فلا تكون البينونة الكبرى إلا بعد وقوع البينونة الصغرى ثلاث مرات، فلا يعتد بالطلاق بالثلاثة في الغضب أو في غير الغضب، فقد استدل العلماء بهذا الرأي استنادًا عن الحديث:

“كانَ الطَّلَاقُ علَى عَهْدِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَسَنَتَيْنِ مِن خِلَافَةِ عُمَرَ، طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً، فَقالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: إنَّ النَّاسَ قَدِ اسْتَعْجَلُوا في أَمْرٍ قدْ كَانَتْ لهمْ فيه أَنَاةٌ، فلوْ أَمْضَيْنَاهُ عليهم، فأمْضَاهُ عليهم”.

الراوي: عبد الله بن عباس | المحدث: مسلم | المصدر: صحيح مسلم.

الطلاق له شروطه وأحكامه فلا يجوز أن يستحل الرجل ذكر الكلمة فتكون سهلة الوقوع على لسانه عند الغضب، لذا على الرجل التفكير فيما يقوله قبل إصداره عند الغضب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى