هل الدعاء بعد قراءة سورة البقرة مستجاب وهل ما يُقال في فضل سورة البقرة ذاتها لحفظ المؤمن أو استجابة الدعاء صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ تلك الأسئلة وما على شاكلتها من أهم المباحث الفقهية التي تناولها أهل الحديث وأهل الفقه بسبب انتشارها بين المسلمين واختلاط الصحيح منها بالموضوع، بجانب أهمية عبادة تلاوة القرآن والدعاء بالنسبة للمسلمين.
لذلك في هذا الموضوع على موقع البلد سنجيب على سؤال هل الدعاء بعد قراءة سورة البقرة مستجاب مع ذكر الأدلة الصحيحة على فضلها.
هل الدعاء بعد قراءة سورة البقرة مستجاب
من مواضع الذكر المستحب في السنة المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الدعاء بعد تلاوة سورة البقرة أو في أثنائها، ورد ذلك في حديث عوف بن مالك الأشجعي أنه قال:
” قُمتُ معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ليلةً ، فقامَ فقرأَ سورةَ البقرةِ، لا يمرُّ بآيةِ رحمةٍ إلَّا وقفَ فَسألَ، ولا يمرُّ بآيةِ عَذابٍ إلَّا وقَفَ فتعوَّذَ، قالَ: ثمَّ رَكَعَ بقَدرِ قيامِهِ، يقولُ في رُكوعِهِ: سُبحانَ ذي الجبَروتِ والملَكوتِ والكِبرياءِ والعَظَمةِ، ثمَّ سجدَ بقدرِ قيامِهِ، ثمَّ قالَ في سُجودِهِ مثلَ ذلِكَ ، ثمَّ قامَ فقرأَ بآلِ عمرانَ …” (صحيح أبي داود 873)
في هذا الحديث يروي لنا الصحابي العوف بن مالك الأشجعي أنه قام ليصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قرأ سورة البقرة، وكان لا يمر في تلاوته بتدبر بآية فيها ذكر رحمة الله إلا توقف وطلب من الله تعالى ما في هذا الآية من رحمة، كذلك لا يمر بآية فيها عذاب للكافير والعصاة إلااستعاذ بالله ويستجير من مما اشتملت عليه.
نتعلم من هذا الحديث فضل الدعاء بعد وأثناء قراءة سورة البقرة، وأن الدعاء به من السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى المسلم أن يدعوا الله وهو متيقن بالإجابة.
كما أنه عن أبو ذر أنه قال: “بلغني أنه ليس من عبد يقرأ البقرة وآل عمران في ركعة قبل أن يسجد ثم يسأل الله شيئا إلا أعطاه” (ذكره السيوطي في الدرر المنثورة منفردًا)
هذا يدل على استحباب الدعاء بعد تلاوة سورة البقرة، وعلى صحة قول الصحابي فإن الدعاء في السجود، بعد تلاوة سورة البقرة مستجاب، وهذا المعنى يؤكده حديث أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“أَقْرَبُ ما يَكونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ، وهو ساجِدٌ، فأكْثِرُوا الدُّعاءَ” (صحيح مسلم 482)
الدعاء بعد تلاوة القرآن
بعد أن تناولنا قول الفقهاء في إجابة سؤال هل الدعاء بعد قراءة سورة البقرة مستجاب يجدر الإشارة إلى أن الذكر بعد تلاوة القرآن عامة مستحب أيضًا ومن هذا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ” الوارد في حديث السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت
“ما جلَس رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم مجلِسًا، ولا تلا قُرْآنًا، ولا صلَّى صلاةً، إلَّا ختَم ذلكَ بكلِماتٍ، قالَتْ: فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، أراك ما تجلِسُ مجلِسًا ولا تتلو قُرْآنًا، ولا تُصلِّي صلاةً، إلَّا ختَمْتَ بهؤلاءِ الكلِماتِ، قال: نَعم، مَن قال خيرًا خُتِمَ له طابَعٌ على ذلكَ الخيرِ، ومَن قال شرًّا، كُنَّ له كفَّارةً: سُبحانَكَ وبحمدِكَ، لا إلهَ إلَّا أنتَ، أستغفِرُكَ وأتوبُ إليكَ” (صحيح المسند 1619)
في هذا الحديث تروي لنا السيدة عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداوم على هذا الدعاء بعد تلاوة القرآن وبعد الصلاة وبعد أنتهاء المجلس، ولما سألته عن سبب ذلك بين لها فضل هذا الدعاء بأنه:
- إذا قال في مجلسه أو عمل في صلاته خير كان هذا الدعاء ختام الخير وتمام له، موثقة لأساب الخير وكملة للحسانت التي اكتسبها.
- اذا ارتكب اي معصية في مجلسه أو هناك عطب في عبادته فإن هذا الذكر يكون سبب في غفران الذنب الذي وقع به.
كما قد أورد الكثير من الفقهاء –مثل ابن مفلح- في ذكرهم لأوقات استجابة الدعاء عقبة تلاوة القرآن الكريم وعند ختم القرآن.
فضل سورة البقرة
بجانب ما قاله الفقهاء حول إجابة سؤال هل الدعاء بعد قراءة سورة البقرة مستجاب تناولوا أيضًا فضل تلاوة سورة البقرة ذاتها بخلاف الدعاء بعدها، وقد ورد هذا بالأدلة الصحيحة في السنة النبوية في أكثر من موضع نحو:
- عن أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
” لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقابِرَ، إنَّ الشَّيْطانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الذي تُقْرَأُ فيه سُورَةُ البَقَرَةِ” (صحيح مسلم 780)
في هذا الحديث يشبه الرسول صلى الله عليه وسلم البيوت التي لا يُقرا فيها القرآن بأنها مثل المقابر أي أنها ليس بها أحياء وتلك كناية على ان القرآن هو إحياء القلوب، وأكد أن الشيطان يهرب من البيت الذي تُقرأ به سورة البقرة على دوام،في ذلك الحث على تلاوتها وبيان فضلها على البيت وأهل البيت.
- عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
” إنَّ لكلِّ شيءٍ سَنامًا وإنَّ سَنامَ القُرآنِ سورةُ البقرةِ مَن قرَأها في بيتِه ليلًا لَمْ يدخُلِ الشَّيطانُ بيتَه ثلاثَ ليالٍ ومَن قرَأها نهارًا لَمْ يدخُلِ الشَّيطانُ بيتَه ثلاثةَ أيَّامٍ” (صحيح ابن حبان 780)
ففي الحديث السابق يؤكد النبي صلى الله عليه وسلم أن سورة البقرة من أعظم ما في القرآن الكريم وأنها تحفظ البيت الذي تُقرا فيه ثلاث ليال أو ثلاث أيام من دخول الشيطان إليه.
هذا بجانب عدد كبير آخر من الأحاديث النبوية في فضل تلاوة سورة البقرة والدعاء بعدها، حتى بعض ال آيات منها نحو قوله صلى الله عليه وسلم:
” مَن قَرَأَ بالآيَتَيْنِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ في لَيْلَةٍ كَفَتاهُ”
في تأويلهم لكلمة “كَفَتاهُ” قال المفسرون
- أنها تكفي المؤمن عن قيام الليل.
- أن تحمي المؤمن من شر الإنس والجن.
- أنها تحمي المؤمن عمل السحرة.
فضل سورة البقرة خاصة بجانب فضل القرآن
ورد في السنة حديث خاص بفضل سورة البقرة وتلاوتها الزائد عن الفضل العام للقرآن الكريم فعن أبو أمامة الباهلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَيْنِ البَقَرَةَ، وسُورَةَ آلِ عِمْرانَ، فإنَّهُما تَأْتِيانِ يَومَ القِيامَةِ كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ كَأنَّهُما غَيايَتانِ، أوْ كَأنَّهُما فِرْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصْحابِهِما، اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فإنَّ أخْذَها بَرَكَةٌ، وتَرْكَها حَسْرَةٌ، ولا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ” (صحيح مسلم 804)
في هذا الحديث يظهر لنا الفضل العظيم للقرآن على أصحابه وفضل تلاوة سورة البقرة خاصة فقال النبي:
- أن نقرأ القرآن ونداوم عليه فإنه يوم القيامة يتمثل بالصورة التي تليق به -مثلما تتمثل الأعمال لتُزن- ليشفع لأصحابه المداوين على تلاوته العاملين لما فيه من أحكام منتهين على نواهيه.
- يكرر النبي صلي الله عليه وسلم قوله “اقْرَؤُوا” للتخصيص بعد الإجمال أي تخصيص قراءة سور معينة، وسماهما الزهروان أي المنيرتين لما فيما من احكام شرعية وأسماء الله الحسنى وصفاته العلا وهما: (البقرة وآل عمران) وقال أنهما تحضران يوم القيامة كأنهما غمامتان من السحاب تقي صاحبهما حر ذلك اليوم العظيم.
- أو كأنهما “غايتان” والغاية هي كل ما تظل الإنسان من أشعة الشمس سواء كان من سحاب أو غير ه.
- أو كأنهما طائفتان من طيور باسطة جناحها “فِرْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ” تحجان عن صاحبهما حر هذا اليوم العظيم وتبعدان عنه أشعة الشمس.
- كما أن تلك السورتان “تُحاجَّانِ عن أصْحابِهِما” أي تدافعان عنه أمام الجحيم واتلزبانية أو تجادل الرحمن عنه بالشفاعة وعند السؤال تجيب عن العبد إذا تلجم لسانه من الخوف، وضاعت الحجج من عقله.
تخصيص سورة البقرة بالفضل
استكمالا لإجابة سؤال هل الدعاء بعد قراءة سورة البقرة مستجاب وشرح الحديث السابق ذكره نجد قوله: “اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَة” فيه تخصيص بعد تخصيص بعد إجمال، فقد بدأ الرسول الحديث بالحث على تلاوة القرآن عامة ومن ثم خصص منه سورتا البقرة وآل عمرن وبعد ذلك خصصم منهم سورة البقرة، وهذا لبيان الفضل العظيم لسورة البقرة، وقال عنها:
- ” أخْذَها بَرَكَةٌ” أي المواظبة على تلاوتها والتدبر فيما جاء بها من أوامر ونواهي ومعان عظيمة للإيمان بركة ومنفعة عظيمة ومناء للمؤمن.
- “تَرْكَها حَسْرَةٌ” عبارة تدل على مدى أسف وحزن من فاتته تلك السورة العظيمة.
- “لا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ” في ذلك اللفظ عدة معان على رأي المفسرون هي:
- المعنى الأول: أي لا يستطيع تلاوتها ولا حفظها البطلة أي اصحاب الكسل لتعودهم على عدم العمل الصالح.
- المعنى الثاني: أن البطلة هم السحرة (قالَ مُعاوِيَةُ: بَلَغَنِي أنَّ البَطَلَةَ: السَّحَرَةُ) وهو لا يستطيعون حفظها ولا تلاوتها؛ لزيغهم عن الطريق المستقيم السليم وأن في قلوبهم مرض.
- المعنى الثالث: أن السحرة لا يستطيعون اختراق تحصينها، فهي مثل القلعة التي تحفظ قارئها من شر أفعالهم الوضيعة، تحفظه من السحر ودونه من الشرور.
ففي الحديث السابق بيان فضل سورة البقرة الزائد عن فضلها ضمن جمعها مع سورة آل عمران الزائد على فضلهما ضمن فضل القرآن الكريم؛ وفي هذا الإشارة الواضحة والحث على تلاوتها.
بذلك نكون تناولنا أقوال الفقهاء حول لإجابة سؤال هل الدعاء بعد قراءة سورة البقرة مستجاب و قولهم في فضل الدعاء بعد تلاوة القرآن عامة، والفضل الخاص بتلاوة سورة البقرة وبعض آياتها والدعاء بعدها، ندعو الله أن يكون قد وفقنا لما يحبه ويرضاه والصلاة والسلام على سيد المرسلين.