هل مريض الاكتئاب يحاسب على أفعاله وأقواله؟ وهل هو شخص مدرك لأفعاله وأقواله؟ لقد تأكدنا من المراجع الدينية التي أجمعت على أن الجنون يرفع التكليف عن الإنسان فلا يتعرض للمساءلة عن أفعاله، فهل مرضى الاكتئاب هم من المرضى المغيبين والذين يدخلون في الرفع من التكليف، لذا سنجيب لكم من خلال موقع البلد عن سؤال هل مريض الاكتئاب يحاسب على أفعاله وأقواله.
هل مريض الاكتئاب يحاسب على أفعاله وأقواله
أجمع العلماء على أن مسألة التكليف مرتبطة بالعقل فما دام الشخص مدركًا لما يحيط به وعقله ثابت فهو مخاطب بالتكاليف جميعها ومسؤول عن جميع أفعاله.
أما بالنسبة لمريض الاكتئاب فهو مريض نفسي غير مغيب العقل ومدرك لأفعاله وأقواله، حتى لو اختلفت أفعاله وتفاوتت عن الأشخاص العاديين، حيث إنه يعي كل شيء حوله جيدًا، ويدرك نتائج أفعاله وأقواله.
بالتالي فمريض الاكتئاب لا يُرفع عنه التكليف، وهو محاسب على أفعاله وأقواله.
أما في حالة غياب العقل وعدم إدراك الإنسان لما يحيط به، هنا يرفع التكليف والمسائلة عن المعاصي والفروض الشرعية التي من الواجب على كل شخص أن يقوم بها.
أجمع على ذلك كل علماء الإسلام، وقد نرى ذلك أيضًا في الديانات السماوية الثلاث، لأن المصدر هو الوحي الإلهي نفسه الذي رحم عباده وعلم ما يصيبهم.
فقد رُوي عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: “ رفع القلم عن ثلاثة، عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق“.
فالتكليف مرتبط تماما بالعقل، فبفقدان العقل يرفع القلم والحساب والعقاب عمن فقد عقله، وذلك لأي سبب مثل النوم والخرف أو حتى الإغماء.
وللتفريق بين الاكتئاب والجنون، فحد الجنون الذي يرتبط برفع التكليف هو زوال التمييز للأفعال ومردودها من العقل والقلب، بالرغم من استمرار الجسد والأعضاء في عمل وقوة ملازمة لصاحبهم.
بالتالي فإن مريض الاكتئاب وغالبية المرضى النفسيين هم مكلفون بكل ما كلف به الشخص السليم، وذلك بأنهم لا ينطبق عليهم شرط رفع التكليف وغياب العقل.
بل على العكس فمريض الاكتئاب غالبًا ما ينصحه الطبيب ومن حوله بالتوجه للصلاة للتخفيف من اكتئابه وتوتره، أما الذي ذهب عقله فلا يجرؤ الناس حتى على التعامل معه في الغالب، فضلًا عن أنهم يطلبون منه أن يصلي أو يقوم بأي أمر.
لذا فستكون إجابة سؤال هل مريض الاكتئاب يُحاسب على أفعاله وأقواله هي “نعم”، وذلك بناءً على ما أوضحناه لكم.
الدين وعلاقته بالاكتئاب وأمراض النفس
بعد جوابنا عن سؤال هل مريض الاكتئاب يحاسب على أفعاله وأقواله، يجب علينا تفصيل الأمور توضيح علاقة الدين بالمرض النفسي الذي لا يصل إلى درجات الجنون أو الذهاب بالعقل.
فكثيرًا ما يتعرض المريض النفسي، أو مريض الاكتئاب على وجه التحديد لحالات من التوتر والقلق وقد تحدثه نفسه بأن أفعاله لا ترضي الله تعالى.
مع محاولاته المتكررة للخلاص منها أو من هذا الإحساس المتكرر لديه بأن أمره في وضع يمس العقيدة وقد يذهب به لأبعد من ذلك حتى أنه يسترسل في بعض الأحيان ليصل إلى حد الوسواس القهري.
بل إن قلقه قد يزداد تبعًا، لما قد يناله من نصائح غير الفاهمين أو المدركين لحقيقة مرضه هذا، فيظن أنه أصبح مخالفًا لشرع الله تعالى مخالفًا لأمره، مما يتسبب له في ضعف ثقته بنفسه وهي من الأمور التي تجعل المرض في زيادة وتقلل من فرص الشفاء السريع.
قد يكون بعض من يسألهم النصيحة أن يوجهوه للزيادة في النوافل والأذكار وبذل المزيد من الطاعات، ولا يفهمون أن حالته تتطلب التهدئة من وتيرة أفعاله وحاجته للتنفيس عن نفسه مثلًا.
ففي هذه الحالة يشعر المريض أنه غير قادر على فعل الأمور الطبيعية، ويكون رد فعله عكسي بل تزداد لديه حالة الاكتئاب مما قد بسبب تدهور الحالة.
فمريض الاكتئاب لا يفرق بين مرضه بالاكتئاب أو مرضه بالوسواس القهري وبين وسواس الشيطان، مما يسبب له ظنًا خاطئ بأنه يتجه إلى حيث لا يجب أن يكون فيزداد اكتئابه وتزداد وساوسه.
احتياج مريض الاكتئاب للطب النفسي
من الأكيد أن مريض الاكتئاب والمريض النفسي بحاجة ماسة للطب ووسائله التي تساعد المريض بشدة على الخروج من حالته، وهذا لوجود الشق الدوائي.
حيث الاحتياج لنوع دواء محدد من الطبيب وبجرعات ونسب تتلاءم مع شدة مرض الشخص المصاب بالاكتئاب، كما أنه بحاجة للزيارة المتكررة للطبيب والمتابعة للتعرف إلى الدرجة التي وصل إليها المريض من تقدم وتحديد جرعات الدواء من جديد.
يعد وجود الطب النفسي واجب وشرط أساسي في حالات الاكتئاب وحالات المرض النفسي عامة وهذا لأن اضطراب الناقلات العصبية المسببة لهذه الأمراض بحاجة إلى أدوية تعمل على ضبط عملها لعودة المريض إلى حالته الطبيعية مرة أخرى.
كما أنه يتوجب على المريض أن يتجه للطبيب النفسي، وألا يدرج نفسه مع الدجالين والمشعوذين الذين لا يتلقون أحد من مرضى النفس العاديين إلا ويرجعون الأمر إلى الجن والمس الشيطاني.
لا شك أننا نؤمن بالسحر والمس، فقد ذكره الله تعالى في كتابه الكريم، ولكننا بصدد الحديث والتركيز على المريض النفسي بالاكتئاب، والذي هو عاقل ومدرك تمامًا لجميع أفعاله وأقواله ومحاسب على ترك فروضه مما يعني أنه شخص عاقل.
حيث إن من أدلة ثبوت عقل المريض بالاكتئاب، هو إدراك الطبيب لأهلية مريض الاكتئاب حول إمكانية أخذ العقاقير الموصوفة إليه، ومطالبته بالحفاظ عليها في أوقاتها، فهذا أكبر دليل على أن مريض الاكتئاب عاقل ومكلف بجميع الأمور الشرعية، وهذه إجابة جديدة لمن يسأل هل مريض الاكتئاب يحاسب على أفعاله وأقواله؟
تعريف مرض الاكتئاب
بعد أن عرفنا هل مريض الاكتئاب يحاسب على أفعاله وأقواله أم أنه غير مكلف من الله ولا من الناس بقوانينهم المفروضة على عامة الناس، يجب علينا فهم مرض الاكتئاب.
يمكن تبسيط تعريف الاكتئاب على أنه عدم قدرة المريض للتكيف مع الحياة، حيث يسيطر عليه الشعور بالحزن الشديد وعدم الرغبة في ممارسة الأمور التي تسبب البهجة للناس في الغالب أو حتى ممارسة الحياة بطرقها الطبيعية.
فلا يقدر مثلًا على الذهاب للعمل أو التمتع بمنظر جميل ولا يستمتع بطعم أكلة لذيذة، وجميع الأمور عنده سواء من حيث الملل والرتابة.
أما المكتبة القومية الأمريكية للطب NHL فعرفت مرض الاكتئاب على أنه مرض طبي نفسي من الممكن علاجه حيث إن له أعراض قد تستمر على مدى أسبوعين على أقل تقدير.
المقصود من التعريف السابق أن الاكتئاب مرض حقيقي وليس دربَا من الخيال أو الوهم للمريض، وأن له تأثير على الجسد والعقل وحياة من يتعرض له.
كما تم توضيح أنه مرض من الممكن التعامل معه علاجيًا، بواسطة مضادات الاكتئاب مصاحبة بجلسات المتابعة من الطبيب النفسي المعالج، لمتابعة الحالة وتحسين سلوك المريض وتوجيهه لطرق الشفاء السريعة.
كما أثبتت التقارير والأبحاث أن الذين يتعرضون للعلاج النفسي من مرض الاكتئاب تتحسن حالاتهم في الغالب مع المتابعة الطبية والأدوية الموصوفة.
مرض الاكتئاب و ” السيروتونين ”
بعد أن بينَّا لكم ارتباط مريض الاكتئاب والتكليف بالرد على سؤال هل مريض الاكتئاب يحاسب على أفعاله وأقواله؟
يجب توضيح سبب المعالجة بالطرق الطبية النفسية لمرض الاكتئاب، حيث إن مريض الاكتئاب غالبًا ما تكمن مشكلته في توتر الناقلات العصبية في المخ، ويعد الـ ” السيروتونين ” واحد من أهم هذه الناقلات، والتي تقبل الإشارات بين خلايا المخ.
تؤثر مادة الـ ” السيروتونين” في أكثر من 40 مليون خلية بالدماغ، ومن هنا يتضح مدى تأثير مادة الـ ” السيروتونين ” على صحة الإنسان، ومن هذه الأمور الناتجة عن توتر هذه المادة ما يلي:
- الذاكرة والتعلم.
- النوم والأرق.
- الحالة المزاجية.
- درجة حرارة الجسم.
- قوة العظام.
- مدى صحة عمل الجهاز الهضمي.
- الرغبة الجنسية.
- تجلط الدم.
حيث إن نقص عدد المستقبلات العصبية لمادة الـ ” السيروتونين ” أو نقص المادة نفسها هو المسبب الرئيسي لمرض الاكتئاب، أو نقص مادة الـ “التريبتوفان” التي تصنع الـ ” السيروتونين “.
أما في حال زيادة الـ ” السيروتونين ” تتحسن الحالة المزاجية للشخص المصاب بالاكتئاب، لذلك كانت فعالية الأدوية التي تتعامل مع الاكتئاب هي في زيادة مادة الـ ” السيروتونين “.
لكن لنكون منصفين في تعاملنا مع الاكتئاب فقد تم ثبوت تحسن حالات كثيرة وبنسب قد تتقارب مع نسب العلاج الدوائي، ولكن بطرق أخرى.
أعراض مرض الاكتئاب
بعد تعرضنا لإجابات حول هل مريض الاكتئاب يحاسب على أفعاله وأقواله أم لا، يجب توضيح أن مرض الاكتئاب من الأمراض التي يتعرض لها الإنسان، ولهذا المرض أعراض تميزه عن غيره من الأمراض الأخرى والتي يتعامل الطبيب بناءً على ظهورها على أن المريض مصاب بالاكتئاب، ومنها:
- الأرق وعدم القدرة على النوم ليلًا.
- تناول العديد من العقاقير الطبية.
- العزلة وقلة الاختلاط.
- جلد الذات، وانتقاد النفس الشديد.
- الميل للعدوانية والهياج المزاجي.
- ورود فكرة الانتحار والموت كثيرًا على الذهن.
- وجود آلام جسدية غير مستقرة دون وجود تفسير.
- الشعور المتواصل بالعجز واليأس.
- عدم التفاعل مع الأمور المبهجة، وعدم الشعور بالسعادة.
- سرعة الغضب وكثرة التقلبات المزاجية.
- عدم استقرار شهية المريض وتقلبها.
- الصعوبة في التركيز.
- النوم لمدد طويلة في غير المواعيد العادية.
- الشعور بعدم وجود قيمة، وقلة الثقة بالنفس.
الاكتئاب عند النساء
من المعروف جيدًا أن الاكتئاب عند النساء أشد قوة منه عند الرجال وقد يصل إلى ثلاثة أضعاف قوته عند الرجال.
فمع تناولنا لموضوع هل مريض الاكتئاب يحاسب على أفعاله وأقواله، فعلينا أن نذكر أن النساء هن الأكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب، حيث كثرة القلق والتوتر المستمر، وجلد الذات والصراعات النفسية وقلة الثقة بالنفس وغيرها من الأمور الأخرى.
كما أن هنا أنواع من الاكتئاب لا تصيب إلى النساء، مثل اكتئاب الحمل وما بعد الولادة، واكتئاب انقطاع الطمث وما قبل الطمث، ومن أعراض الاكتئاب الحاد لدى النساء، ما يلي:
- البكاء المفرط والهيجان والأرق الشديد.
- تقلب الحالة المزاجية دون أسباب واضحة.
- عدم الاهتمام وانعدام المتعة حتى بالعلاقة الجنسية.
- الشعور المستمر بالعجز واليأس والذنب.
- التشاؤم المستمر.
- صعوبة الاستيقاظ رغم طول فترات النوم.
- الميل لجانب واحد من حيث الشهية فإما السمنة المفرطة أو عدم تقبل الطعام تمامًا.
- التفكير بالموت والانتحار بشكل مستمر.
- كثرة النسيان وصعوبة التفكير.
- التردد في اتخاذ القرارات.
- الآلام المزمنة وتكرر الصداع، وعدم استقرار المعدة مع توترات الجهاز الهضمي عمومًا، وغالبًا ما تكون هذه الأعراض بلا أسباب جسدية واضحة.
من الأعراض السابقة للاكتئاب يتبين لنا أن الاكتئاب ليس بالمرض الذي يسبب ذهاب العقل ولا الذي يدعو الشخص إلى الجنون، وحتى في أقصى حالات الاكتئاب، والتي تهيئ الانتحار للمريض فإنها تكون بعقل كامل ووعي تام لما يقوم به.
لا يسأل عما أكره عليه، وفقدان العقل يعد هو الفاصل في مسألة التكليف، أما الاكتئاب وأمراض أخرى نفسية لا تعد من أسباب رفع التكليف.
قد وفينا الجواب حول سؤال هل مريض الاكتئاب يحاسب على أفعاله وأقواله أم أنه يعد مجنونًا ويرفع عنه التكليف بسبب غياب العقل.