ما حكم من حلف بالطلاق على ترك شيء ويعود إليه؟ وما رأي علماء الدين في ذلك الأمر؟ إن الحلف بالطلاق هو أحد الحالات المنتشرة على ألسنة الكثير من الرجال، وذلك دون أن يتمعنوا في معنى ما يقولون ومدى شرعيته من حرمانيته.
لذا من خلال هذا الموضوع الذي سيعرضه لكم موقع البلد سنتعرف سويًا على حكم من حلف بالطلاق على ترك شيء ويعود إليه، كما سنتطرق لعرض الأدلة التي استند عليها هؤلاء العلماء في آرائهم بشيءٍ من التفصيل.
حكم من حلف بالطلاق على ترك شيء ويعود إليه
إن الطلاق حلال وقد شرعه الله -تعالى- ولكنه أبغض الحلال عنده عز وجل، ومع ذلك فإن بعض الرجال يستخدمونه كوسائل ضغط على زوجاتهم ويستهينوا به، وأيضًا يحلفون به في كثير من الأحيان غير مدركين الإثم الذي وقعوا فيه.
فالله قد حلل الطلاق لحالات معينة وليس لكل الحالات، فإذا كان في البيت مشاكل ليس لها حلول والزوجين بينهما عدم تفاهم ولا محبة ولا راحة، وفي حالة أن هذه المشكلات قد تؤثر سلبًا على الأبناء، فهنا يكون الطلاق حلًا وحلالًا لإنهاء علاقة زوجية فاشلة ليس بها أمل أن تنجح.
هنالك أكثر من حكم وكفارة للرجل الذي يحلف بالطلاق، ولكن قد أختلف على هذا الموضوع العديد من علماء الدين، فالبعض قال إن الطلاق قد وقع على الزوجة والبعض الآخر يقول العكس، وهذا على النحو التالي:
رأي المذاهب الأربعة فيمن حلف بالطلاق ورجع عنه
الفريق الأول هم جمهور العلماء من الشافعية والحنابلة والمالكية والحنيفية؛ فاتفق هؤلاء العلماء على أن الطلاق يكون قد وقع في حالة أن الشرط المعلق عليه وقوع الطلاق قد حدث بالفعل، إذا كان هذا الفعل للزوج أو الزوجة أو لأحد غيرهم؛ فهو نفس الحكم.
إذا كان أمرًا سماويًا أيضًا أو كان حلفان لإرغام الشخص الآخر على فعل شيء ما بالإكراه أو عدم فعله، أو حتى إرغام نفسه على فعل شيء معين ولم يفعله والعكس، أو كان شرط لحدوث شيء ما يترتب عليه الطلاق إذا حدث فعل الشرط.
من أقوال الإمام السرخسي: اليمين هو الجزاء؛ فهو يمين بالطلاق عندما يقول الزوج إن ذهبت إلى المكان الفلاني فأنت طالق، ولكن يختلف اليمين في حالة أن الجزاء قد اختلف، والذي يسبق اليمين لا يعد شرطًا، ولكن الشرط هو ما بعد اليمين.
فهو يمنع نفسه من شيء أو يطلب من زوجته فعل شيء في المستقبل، أي أنه شيء سوف يحدث وليس قد حدث في الماضي، واستند أصحاب هذا الرأي على الأدلة التالية في آرائهم:
- كان دليلهم على أن الطلاق يوقع في تلك الحالات، أن الله -تعالى- قال في كتابه الكريم “الطّلاق مرّتان“.
- استندوا أيضًا من سنة الرسول -صل الله عليه وسلم- على قوله: “المسلمون عند شروطهم“، وما قد تم روايته أنه هنالك امرأة طُلقت في حالة خروجها، فكان رد ابن عمر: أنها إذا خرجت فقد بانت منه، وإن لم تخرج فلا يقع الطلاق.
رأي علماء الظاهرية والإمامية
ضمن إطار عرضنا لحكم من حلف بالطلاق على ترك شيء ويعود إليه، تجدر الإشارة إلى أن علماء مذهبي الظاهرية والإمامية قد رأوا أن الحلف بالطلاق حتى وإن تم حدوث الأمر المعلق عليه الطلاق؛ فيظل الطلاق غير صحيح ولا يقع الطلاق.
من أقوال ابن حزم: في الحلتين البر والحث، فإن الحلف بالطلاق لا يتم وقوعه أو حدوثه، والطلاق لا يتم إلا بالطريقة التي أمر بها الله -تعالى- فقط واليمين لا يصح إلا عدم يتم حدوثه كما أمر الله والرسول، واستدلوا في آرائهم على التالي:
- روي أن الرسول -صل الله عليه وسلم- قد قال: “من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله”.
- رأوا أنه لا يجوز الطلاق إلا كما قال الله -تعالى- وكما أمر بالطريقة الصحيحة للطلاق، وكذلك اليمين كما أمر به الله -تعالى- فلا أساس لليمين بالطلاق أصلًا لأن الله لم يذكره كيمين، فهذا يعد تجاوز لحدود الله -تعالى- فيقول الله في كتابه الكريم: “وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ“، فلم يأتي قرآن أو سنة عن النبي بحدوث الطلاق المعلق بشيء ما.
رأي ابن تميمة وابن القيم
يتكون الفريق الثالث من المذهبين ابن تيمية وابن القيم، فقد فصّلوا الموضوع على حسب حالات مختلفة، في حالة أن الطلاق يحث أو يرغم على فعل شيء ما أو عدم فعل شيء ما؛ فإن الطلاق هنا لا يصح، ولكن برأي ابن تيمية، أن هنالك كفارة لهذا الحلفان؛ فيجب على الحالف أن يدفع كفارة يمين إن تم الحنث في يمينه.
قال ابن القيم إنه ليس هنالك كفارة على الحالف، وذهب ابن تيمية وابن القيم إلى أنه التعليق إذا كان شرطيًا؛ فإن الطلاق في هذه الحالة صحيح ويتم طلاق الزوجة في حالة حدوث الشرط الذي علق الطلاق عليه.
من أقوال ابن تيمية: إذا كان هذا الحلفان من المسلمين فإن يجب عليهم الكفارة، أم إن كان من غير المسلمين فليس عليهم شيء، فحين إثبات ما علق عليه الطلاق ففيها كفارة، واستندوا في رأيهم على ما يلي:
- قالوا إن الطلاق المعلق إذا كان هدفه الحث وإجبار شخص ما على فعل شيء معين أو عدم فعله، فهو يعد نفس معنى اليمين؛ لذلك فابن تيمية وابن القيم قد اعتبراه شيئًا داخلًا في أحكام اليمين، لقول الله تعالى في كتابه الكريم: “قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ”، وأيضًا قال الله -تعالى-: “ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ“، وبما أنها تعتبر تجاوز لحدود الله، فإن الطلاق هنا يعد باطلًا ولا يترتب عليه شيء.
- كان دليلهم أيضًا ما رواه ابن عباس -رضى الله عنه-: “الطلاق عن وطر، والعتق ما ابتغى به وجه الله“؛ فلكي يكون الطلاق طلاقًا صحيحًا يجب أن تكون الرغبة منه هي الطلاق حرفيًا وأن المطلق ينوي الطلاق فعلًا.
أنواع الحلف بالطلاق
بعدما تعرفنا على حكم من حلف بالطلاق على ترك شيء ويعود إليه، تجدر الإشارة إلى أن الحلف بالطلاق هو أن يحلف الرجل على زوجته بفعل شيء معين أو عدم فعل شيء معين أو سيطلقها، عن طريق أن يقول لها إذا فعلتِ كذا فإنك طالق، ويُشار إلى أنه له نوعين هما:
التعليق اللفظي
هذا النوع من الحلفان بالطلاق يتمثل في قول الزوج لزوجته: إن فعلتِ هذا الشيء فأنتِ طالق، ويكون هدف هذه الصيغة من الطلاق أن يرغم الزوج زوجته لفعل شيء معين أو لا تفعل شيء معين؛ فهو لا يقصد أنه سوف يطلقها فعلًا، ولكنه يستخدمها كوسيلة ضغط وإرغام للزوجة فقط.
فعندما يقول الزوج لزوجته إن ذهبتي مع فلانة فأنتِ طالق فهو لا يقصد أن يوقع عليها الطلاق بالمعنى الحرفي ولكنه يعبر لها عن رفضه الشديد لهذا الفعل وكتهديد لها.
هذا النوع من الطلاق يعتبر تعليق من حيث اللفظ، فهنا يوجد أداة شرط لحدوثه أو عدم حدوثه، فليس الغرض من حدوث الطلاق هو فعل الشرط، ولكن الهدف منه هو إرغام زوجته أو حتى إرغام نفسه على فعل شيء معين أو عدم فعله.
الطلاق المعلق بهدف وقوع الطلاق
هذا النوع من الطلاق يكون مقصود به الطلاق فعلًا عند حدوث فعل الشرط؛ فهو ليس غرضه إرغام أحد على فعل شيء معين، ولكنه يضع شرط معين إذا حدث سيتم الطلاق، مثل أن يقول الزوج إذا جاء فلان المنزل فإنك طالق.
فإذا حدث هذا الأمر فعلًا الذي حلف بالطلاق على حدوثه؛ فإن زوجته تكون قد طُلّقت بالفعل وينطبق عليها كل شيء خاص بالطلاق وأحكامه، مثل العدة والرجعية وهكذا.
بذلك نكون قد أوضحنا لكم حكم من حلف بالطلاق على ترك شيء ويعود إليه، كما أجبناكم عن سؤال هل هنالك كفارة لذلك أم لا، ونتمنى أن نكون قد قدمنا لكم الإفادة المرجوة.