أقدم حضارة على وجه الأرض بالطبع تباينت وتفاوتت الحضارات التي شهدتها الأرض في أشكالها وأيديولوجيات ودياناتها وما تركته من آثار شاهدة عليها، ومن أعرق الحضارات: الحضارة الفرعونية، والحضارة الهندية، والحضارة الصينية، والحضارة الإغريقية والحضارة الفارسية والحضارة الإسلامية، وتتفق الدراسات المهتمة بالحضارات على أن الحضارة السومرية هي أقدم الحضارات على وجه الأرض، وهو ما نتناوله بالتفصيل خلال المقال عبر موقع البلد.
ما هي الحضارة؟
تبارى المفكرون وعلماء الآثار والتاريخ والمعنيين بتتبع حضارات العالم إلى الحديث عن تعريف الحضارة وذكر مقوماتها وملامحها والحديث عن أقدم الحضارات على وجه الأرض وتوالي الحضارات بعدها، وأي الحضارات كان أعرق؟ وأيها كانت له ميزة رغم حداثتها عن الأخرى، ومن بين التعريفات التي تناولت الحضارات ما يلي:
- عرفها البعض بأنها: (سلسلة من العلاقات جمعت بين الناس خلال فترة ما من فترات التاريخ وشكلت مجتمعًا بشريًا استفاد من الموارد المتاحة بين يديه يؤسس لبناء حضارة وعمران ونظام مدني معين، وقد اعتمد هذا المجتمع على الارتقاء بنفسه اجتماعيًا واقتصاديًا وماديًا وفكريًا ومعرفيًا، وقد قدر أهمية الزمن وأهمية الانتفاع بكل ما توافر من عناصر الطبيعة المختلفة، فحدث تفاعل بين الإنسان والمكان والزمان والمادة والفكرة فكان نتاج ذلك حضارة خالدة على مر التاريخ).
- وعرفها آخرون بأنها: (حزمة من الضوابط القيمية والخلقية التي توفر للمجتمع حياة كريمة وتحقق الضرورات الرئيسية لكل فرد من أفراد المجتمع).
- والبعض يعرف الحضارة بأنها: (نتاج ما يفعله الإنسان وما يقوم به من مجهودات من أجل تنمية نفسه ومجتمعه، يستوي في ذلك ما إذا كان ذلك بقصد التغيير والتطوير أم كان ذلك محض صدفة، ويستوي في ذلك أيضًا ما إذا كان النتاج على صورة حسية أو على أفكار وفلسفات ذهنية وعقلية).
- كما وجدت لها تعريفات أخرى حديثة منها: (أنها المنهج الفلسفي الأيديولوجي الذي تتبناه أمة من الأمم والذي يأتي على هيئة تنمية مادية أو معنوية).
ملامح الحضارة
- تعددت الحضارات بدءًا من أقدم حضارة على وجه الأرض حتى الحضارة الحديثة؛ وكان السبب في هذا التعدد أن أحوال الناس وأحوال المجتمعات في تغير دائم ومستمر، في الحراك من فطرة الإنسان، ومن طبيعته، ومن حين لآخر تظهر حضارة بمفاهيم وفلسفات ورؤى ومخططات جديدة تلائم البيئة والتقدم والأفكار.
- وكما يقول عبد الرحمن بن خلدون في المقدمة: (إن ظروف الناس ومواقفهم وأحوال المجتمعات والأمم وتقاليدهم وأعرافهم، وعقائدهم ليست على درجة واحدة، ولا تدوم ولا تستقر على منوال واحد، وإنما تتغير وتتبدل كل حين، وكما يحدث ذلك للأفراد يحدث كذلك للمجتمعات والأمم).
- ويرى بعض المفكرين الحداثيين أن الفكرة وجود الحضارة فكرة مستوطنة في عقل الإنسان وسلوكياته، وهذا ما يميزه عن المخلوقات الأخرى، فالقطيع قد يؤسس مجتمعًا، ولكنه لا ينشئ حضارة، لأن الحضارة تحتاج إلى فكرة وسعى لتحقيقها، وأن الحضارة نتاج عقل الإنسان وتساعده مع وجود وطن وزمن، كل ذلك ينصهر في بوتقة واحدة لإنشاء الحضارة المرجوة، وهذا موجود في كل زمان ومكان.
عناصر الحضارة
- تقوم أي حضارة منذ أن بنيت أقدم حضارة على وجه الأرض على عنصرين هامين مترابطان منسجمان لا يتم التفريق بينهما وهما: العنصر المادي، والعنصر العقلي والمعنوي.
- أما العنصر العقلي والمعنوي فيتمثل في القيم والأخلاق والقواعد والمعتقدات والنحل والأيديولوجيات والأفكار والفلسفات والرؤى التي يعتنقها أفراد المجتمع، ويسيرون وفقها في كافة شئون حياتهم ويهتدون بضوئها في تربيتهم وسلوكياتهم.
- أما العنصر المادي فيتمثل في سلسلة المهام المادية والحسية في جانب العمارة والاقتصاد والبنية التحتية والاختراعات والابتكارات والعلوم والمعارف والزراعات والنهضة الصناعية والتجارية، وهي التي تغير من وجه الحياة في مجتمع من المجتمعات، وتغير من هيئته إلى هيئة أفضل.
- ولا يمكن أن تقوم حضارة مادية بدون فكرة تنطلق منها تلك الحضارة، ويل يمكن لفكرة وحدها بدون مقومات مادية أن تؤسس لحضارة.
أقدم حضارة على وجه الأرض
- استقرت كلمة المهتمين بالحضارات على أن حضارة سومر التي نشأت في العراق وبعض أجزاء من الكويت وأطراف الجزيرة العربية هي أقدم حضارة على وجه الأرض حيث لم تصل الأخبار ولا الآثار التي تدل على أنه كانت هناك حضارة قبلها.
- ولم تكن حضارة سومر معروفة حتى عهد قريب عندما كشف عن بقايا ألواح من الطين كتب عليها باللغة المسمارية العتيقة تعتمد على الصور والأشكال والنقوش، ومن خلال تلك الألواح تم التعرف على الحضارة السومرية التي نشأت في القرن السادس قبل الميلاد، ونمت حضارتها أثناء القرن الرابع قبل الميلاد.
- ومن خلال الآثار السومرية التي اكتشفت تباعًا تم التعرف على ملامح تلك الحضارة التي تضمنت كل أركان الحضارة من القيم العقلية والذهنية والمعنوية، بالإضافة إلى الجوانب المادية، إذ يعتبر السومريون بذلك هم أو من كتبوا ودونوا، علاوة على تقدمهم الطبي والزراعي الهائل.
- ويمكن التأكيد على أن حضارة سومر هي هي حضارة أمة عريقة ضاربة بجذورها في الماضي السحيق ودليلاً صارخًا على النهوض الإنساني ودوره في بناء حضارات رغم التحديات والصعوبات التي قد يواجها.
أهم معالم الحضارة السومرية
- تميزت الحضارة السومرية باعتبارها أقدم الحضارات بالكثير من المعالم التي ميزتها وجعلته حضارة متفردة ومن أبرز تلك المعالم:
- الكتابة والتدوين: وبالتأكيد كان لهذا المعلم الدور البارز في تفرد الحضارة السومرية حيث ساهم التدوين ومعرفتهم بالكتابة على إنشاء دور التعليم وعلى التأليف، وقد عثر على ألواح ترجع إلى العهد السومري تشير إلى أن السومريين عرفوا الدراسة ومناج التدريس وطرقه منذ آلاف السنين.
- الإدارة: ولعل هؤلاء السومريين كانوا سابقين لزمانهم العتيق بسنوات ضوئية عملاقة إذ تشير ألواحهم الطينية وما دون عليها من معرفتهم بالهيكلة الإدارية والتنظيم الإداري الهرمي الذي يبدأ بالأعلى ثم ينطلق حتى يشمل القواعد الأساسية من الموظفين والعمال.
- العلم: من أبرز معالم الحضارة السومرية اهتمامهم بالعلم علوم الطب والفلك والصيدلة، فمن الألواح السومرية التي عثر عليها مؤخرًا ألواح تخص أحد الصيدلانيين السومريين وقد دون عليها العديد من الوصفات الدوائية والعلاجية بدقة فائقة تعالج الكثير من الأمراض مع تدوين كافة تفاصيل عن كيفية تحضيرها والمواد المستخدمة فيها والمقادير، وهذا يدل على علمهم الواسع بمجال الطب والصيدلة.
- نظام الحكم: يعتبر السومريون أول من عرف نظم الحكم الحديثة القائمة على الرئاسة والبرلمان، حيث أشارت الألواح إلى معرفتهم بالشورى والديمقراطية والانتخاب للرئيس وأعضاء البرلمان، ومناقشة القرارات الهامة بالأمة، كما أشارت إحدى الألواح المكتشفة إلى أنهم ثاروا على أحد ملوكهم لما استشعروا منه الظلم والاضطهاد، بما يعني انتاجهم لروح التحرر.
- قانون سومر: يعتبر القانون في الحضارة السومرية أحد أهم الركائز التي أقيمت عليها تلك الحضارة، إذ أكدت الألواح الطينية التي تم الكشف عنها على معرفتهم بالقانون فحينما قتل أحد كهنة المعابد، تحركت السلطات المعنية على الفور وعقد القضاء محاكمة عادلة للجناة بعد أن قامت السلطات التنفيذية بالقبض عليهم، وبعد المرافعات وسماع الشهود وإقرار الجناة تم الحكم عليهم بالإعدام.
- احترام الأديان: من أبرز معالم الحضارة السومرية عدم التعصب وإطلاق الحرية للأديان والمعتقدات، كما تضمنت ألواحهم أفكارا ميتافيزيقية وإيمانهم بوجود حياة أخرى بعد الموت، وقد نسجو الكثير من الروايات لعالم ما بعد الموت.
ومع وصولنا لنهاية هذا المقال عن أقدم حضارة على وجه الأرض نكون قد تعرضنا لمفهوم الحضارة وعناصرها ومكوناتها، وأبرز الحضارات القديمة، وبشكل خاص وقفنا عند الحضارة السومرية باعتبارها أقدم الحضارات، وقد تحدثنا عن ملامح الحضارة السومرية وأبرز معالمها ومميزاتها التي تميزت بها عن باقي الحضارات الأخرى.
