هل الوسواس القهري مس شيطاني أم مرض بيولوجي؟ هل هما مرض واحد روحي أم أنهما مرض واحد جسدي؟ فقد أشكل الأمر على الكثير من الناس.
فمنهم من يعتقد بأن الوسواس القهري مس من الشيطان ومنهم من لا يعتقد بالمس أو السحر، فما هو الصواب حول هذا المرض، هذا ما سنتطرق إليه معكم من خلال موقع البلد.
هل الوسواس القهري مس شيطاني أم مرض بيولوجي؟
للجواب على هذا السؤال يلزمنا بعض التحليل لمرض الوسواس القهري نفسه، والدخول إلى تفاصيله ومعرفة احتمالات أن يكون الوسواس القهري له علاقة بالمس شيطاني، أم أنه مرض بيولوجي وأن الشيطان برئ منه.
لكن بجواب مختصر فالوسواس القهري مرض نفسي، لكن أسبابه ومسبباته وأعراضه جميعًا عضوية، ولا تزال الأبحاث العلمية تتطور في التوغل في أمر هذا المرض للتعرف على أسراره.
معنى كلمة “الوسواس”
وَسْوَاس: كلمة أصلها الاسم “وَسْوَاسٌ” في صورة مفرد مذكر وجذرها “وسوس” وجذعها “وسواس”.
- الوسواس “اسم”: هو صوت ما خفي من الريح، وصوت الإنسان المتكلم بخفوت بكلام مختلط، وهو صوت الحُلَي.
- الوسواس “اسم”: صوب الصياد بالكلاب.
- وسواس “اسم”: الجمع: وَسَاوِس، المصدر: وَسوَس.
- معنى الوسواس: الشيطان.
- معنى وساوس الشيطان: همزاته وإغراءاته.
- الوَسوَاسُ المرضي: هو اضطراب يحدث للمريض، فيخطر بباله السوء باستمرار وتغلبه أفكار سوداء.
- الوَسوَاسُ القَهرِي: مرض نفسي، يتميز المصاب فيه بالقلق الشديد، وتتكرر دوافعه بالسلوك المضطرب ومعاناة من أفكار وصور لسلوك متكرر كذلك.
- الوسوسة “مصطلح فقهي”: السيطرة على العقل بفكرة متكررة تدفعه للتصرف بغرابة وحماقة غير طبيعية.
ما هو الوسواس القهري؟
بعد أن وضحنا جواب السؤال هل الوسواس القهري مس شيطاني أم مرض بيولوجي، يجب تفصيل ما هو الوسواس القهري لنفهم الموضوع بطريقة أدق.
الوسواس القهري رابع أكثر مرض نفسي انتشارًا حول العالم، يصيب الوسواس القهري ما يعادل 2% من جميع سكان العالم، تتعدد أعراض الوسواس القهري وأشكاله.
لكن أهم هذه الأعراض والمشهورة عند من يسيطر عليهم هذا المرض هي كثرة المراجعة والتدقيق في أمور كثيرة أو محددة بطريقة تلفت نظر من لا نظر له، حيث يتكرر ترتيب الشيء والحرص الشديد على محاذاته حتى لو استغرق الأمر مدة زمنية طويلة.
يضرب هذا المرض الإنسان وهو طفل ويبدأ عند البالغين بسن مبكرة، حيث إن 65% من المصابين به يصابون به قبل سن ال 25 عام، وبنسبة 15% يعد سن 35 عام.
وسواس الشيطان والوسواس القهري
تكون أفكار المريض بالوسواس القهري خارجة عن سلوكياته الطبيعية وتكون ملحوظة جدًا، ورغم أنه مدرك بعقله بأن هذه التصرفات ليست سليمة إلا أنه يتمادى فيها دون معرفة السبب وراء ذلك.
في الغالب يحاول المريض بالوسواس القهري أن يتغلب على هذه الأفكار بكل الوسائل المتاحة له، والتي ينصحها به جميع من حوله مما يسبب له الضغط الشديد يزيد من توتره، حتى أنه من الممكن أن يلجأ إلى المخدرات كنوع من الهروب من الأفكار التي تراوده باستمرار.
وقد يسبق محاولته بالهروب من هذه الأفكار بالمخدر أن يهرب منها بممارسة الرياضات أو بالخروج والتنزه أو بالاختلاط بأكبر قدر من الناس، أو غيرها من محاولات فاشلة متعددة حتى يصل المريض لأكبر حالة من الضغط النفسي.
في النهاية قد يستسلم المريض لهذه الأفكار لكي يستريح من محاولات تهربه المتكررة منها.
ولا ينجوا من هذا المرض فئة معينة من الناس دون غيرها من الفئات الأخرى، حتى أن رجال الدين والمتدينين من المعرضين لهذا المرض النفسي، فنجد منهم من تسيطر عليه الوساوس القهرية الجنسية، ومنهم من تأخذهم أفكارهم حول وجودية إله، ومنهم من يكادون ينطقون بأفكارهم الجنسية أثناء الصلاة.
بالتالي فلا علاقة للوسواس القهري بمستوى الإيمان، ولنفرق بين الوسواس القهري ووسوسة الشيطان، فوسوسة الشيطان تتبع ما يملي الشيطان على الإنسان وهو مطروح لعامة الناس أما الوسواس القهري، فهو مرض مستقل له أسبابه العضوية وعلاجاته الدوائية الطبية.
أسباب مرض الوسواس القهري
كان أمر هذا المرض حتى القريب سرًا متروكا للتخبط بين الشيطان والجسد، حتى تم اكتشاف التالي حول هذا المرض:
- حدوث خلل بالكتل العصبية القاعدية بالمخ، وهي المسئولة عن السلوكيات للإنسان.
- خلل أو قلة في مادة ” السيروتونين ” أو القنوات العصبية بالدماغ، وتعد أدوية تنظيم هذه المادة من الأدوية الأكثر تأثيرًا في حالات الوسواس القهري.
- أمراض جهاز المناعة.. حيث وجد أن من المصابين بالوسواس القهري من أصيبوا بجرثومة معينة في سن الطفولة، مما ترتب على هذه الإصابة خلق أجسام مضادة تقوم بالهجوم على الكتل العصبية القاعدية بالمخ، وهذا خلال الطفولة.
- مع عدم علاج لوزة الحلق “الحلقوم” بهذا الفيروس قد تصيب المفاصل والقلب، وبالرغم من ذلك فهو من أكثر الأمراض التي نتعرض لها استخفافًا.
طرق العلاج من الوسواس القهري
بما أننا تأكدنا الآن من هل الوسواس القهري مس شيطاني أم مرض بيولوجي، وعلمنا أنه مرض نفسي لأسباب عضوية بالمخ والأعصاب، وجب علينا الأن أن نذكر طرق العلاج، ومنها:
- أدوية “السيروتونين” تعد منظم رائع للتخفيف من شدة أعراض المرض بنسبة 60% تقريبًا وتص الى مراحل العلاج النهائية بنسبة 20% تقريبًا.
- المتابعة الطبية مع الطبيب النفساني المختص والأدوية الطبية الموصوفة منه تساعد كثيرًا وتسرع من الشفاء.
- طرق أخرى للعلاج في حال فشل الأدوية الطبية، والجلسات العلاجية، مثل جراحات المخ من دون تفكيك للجمجمة، وتتم بواسطة أشعة جاما للعمل على تحفيز الدماغ مغناطيسيًا، وكذلك تحفيز الدماغ بعمق.
مدة العلاج للوسواس القهري
ها قد وصلنا لجزئية المدة العلاجية لمرض الوسواس القهري، الذي تساءلنا في البداية حول هل الوسواس القهري مس شيطاني أم مرض بيولوجي؟ وتعتمد فترة العلاج للوسواس لقهري على:
- المرحلة المبدئية.. وهي الأطول زمنًا في مجال العلاج بالطب النفسي فلمجرد الوصول إلى بداية للعلاج تستغرق هذا المرحلة حوالي من 3 إلى 6 شهور.
حيث تتغير جداول العلاج عن طريق الطبيب المعالج لأكثر من 3 مرات حتى يصل لتحسن طفيف بقدر 10% فقط.
- فترة الاستمرارية بالعلاج.. بعد أن يتأكد الطبيب من وصول المريض لاستجابة علاجية وتخطيه مرحلة البداية، يقوم الطبيب بتعديل الجدول العلاجي، لكي يحصل على نسبة نجاح تصل إلى 50% في خلال 6 إلى 8 أشهر.
ويتعافى المريض تمامًا من الوسواس القهري خلال ما يعادل سنة إلى سنتين.
تأثير المحيطين بمريض الوسواس القهري
في الغالب فإن المحيطين بالمريض هم من يشككون في مرض الوسواس القهري ويسألون هل الوسواس القهري مس شيطاني أم مرض بيولوجي؟
ذلك بسبب اختلاط الأمر عليهم وغياب الجانب العلمي لها المرض، فيتعاملون مع المريض بحسن نية قد تسبب للمريض الكثير من المضاعفات، ومن هذه النصائح التي تؤثر على المريض ما يلي:
- حاول أن تقاوم الوساوس التي تملأ رأسك.
- لا تتوقف عن الإيمان بالله تعالى.
- لا تفكر بهذا أبدًا.
بالطبع لا يكون أقرباء للمريض وأصدقاؤه أن هذه النصائح تسبب مزيد من التوتر والإرهاق للمريض، فيكون شعوره بالذنب وعدم الثقة بنفسه أكبر ما يكون.
فلا يعرف هؤلاء أن المريض سبب مرضه بيولوجي فعلًا وأنه لا دخل أو سيطرة له على هذه الأمور الواقع فيها، غير كثير من كبار السن مثل الأم والأب لا يخطر على بالهم أن المرض بيولوجي وقد يسوقون ابنهم لطرق تسبب له المزيد من المرض.
في حال التوصل لتشخيص حالة المريض طبيًا يتوجب على جميع المحيطين به أن يساعدوه في اتباع نصائح الطبيب المعالج، وأن يصبروا على نتيجة العلاج نظرًا لما يتطلب علاج الوسواس القهري من وقت.
لا شك أن اللجوء إلى الله والاستعانة به تعالى هو أول ما يجب فعله، كما أن قراءة القرآن تريح القلب ” ألا بذكر الله تطمئن القلوب “، وهذا أمر محمود ويعطي المريض ثقة الشفاء من الله، مع ضرورة أن يأخذ المريض والمحيطين به بأسباب الشفاء والتعامل مع المرض على أنه مرض بيولوجي وليس مسًا شيطانيًا.
هل للمس الشيطاني علاقة بالوسواس القهري
قد وضحنا فيما سبق أعلاه أن الوسواس القهري بالفعل مرض نفسي ناتج من أسباب بيولوجية، ولكن لكي نستوفي معكم جوانب موضوع هل الوسواس القهري مس شيطاني أم مرض بيولوجي، يجب أن نبين ما هو المس الشيطاني؟
.. قد يحرص الكثير ممن يصابون بالوسواس القهري بحالة من التصوف في العبادات محاولة منهم أن يخرجوا من حالات الوساوس التي يعانونها، فيكثرون من الصلاة والنوافل والصيام والقيام، وكذلك الحرص الشديد في الوضوء إلى حد يصل إلى المغالاة بما لم يأمر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
المس الشيطاني
جاء المَسٌ من الشيطان للإنسان في عدة آيات وأحاديث أثبتت حقيقة وجوده الفعلي، فحتى لو تقول البعض بعدم حدوث ذلك أو أنه درب من الأساطير إلا أنه أمر حق وهو مثل السحر حقيقي رغم إنكار اكثير له.
فورد لفظ المَسِّ في الشرائع عن الشيطان فقد تعدد ذكر مس الشيطان وذلك في قوله تعالى:”…لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ “275 البقرة
كذلك قوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا” 201 الأعراف
كما وردت كلمة المس في مواطن كثيرة بكتاب الله تعالى، نذكرها لكم توضيحًا لمعنى الكلمة، مثل:
- لاَ يَمَسُّهُ إلاَّ الْمُطَهَّرُونَ
- قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ
- فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ
- لاَ يَقُومُونَ إلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ
أما المَسٌ: فهو الجنون والخَبَل في اللغة العربية.
مس الشيء: أي لمسه.
الرجل الممسوس: أي الذي أصابه خبل أو جنون من الشيطان.
حاجة ماسة: أي حاجة شديدة ولو للقليل.
ما أطلعناكم عليه أعلاه من أدلة من القرآن الكريم نتبعه الآن بتوضيح المس ودلالات له من الفقه والسنة الشريفة.
فمن كتاب “زاد المعاد في هدى خير العباد” للإمام بن القيم الجزء 4 ص 66-69 يقول:
“الصرع صرعان: صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية، وصرع من الأخلاط الرديئة، والثاني: هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه.
وأما صرع الأرواح: فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به ولا يدفعونه، ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة فتدافع آثارها، وتعارض أفعالها وتبطلها، وقد نص على ذلك بقراط في بعض كتبه، فذكر بعض علاج الصرع وقال: هذا إنما ينفع من الصرع الذي سببه الأخلاط والمادة، وأما الصرع الذي يكون من الأرواح فلا ينفع فيه هذا العلاج”.
لن نتحدث بإفاضة حول أمر مس الشيطان للإنسان أو أنواعه بما أننا وضحنا كل جوانب الموضوع الأصلي والمتعلق بسؤال هل الوسواس القهري مس شيطاني أم مرض بيولوجي؟
يخلط الناس بين الأمور الجسدية والروحية، رغم أن الله تعالى جعل لأدوية الجسد علاجها ودواءها، وللروح غذاءها ورقيها بالعبادات.